تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقوله تعالى: (أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ):

حض لهم على الإتيان بأسباب المغفرة من الإنفاق على أولي القربى.

و "ألا" من الأعلى إلى الأدنى: حض، ومن الأدنى إلى الأعلى: طلب برفق، كمن يقول للخليفة أو الوالي: ألا تنظر في حاجتي، وقد يقال مثل ذلك في الطلب من المساوي كمن يقول لصاحبه: ألا تزورني.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:

"وهذه الآية نزلت في الصدِّيق، حين حلف ألا ينفع مِسْطَح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال، كما تقدم في الحديث. فلما أنزل الله براءةَ أم المؤمنين عائشة، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت، وتاب الله على مَن كان تكلم من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحد على مَن أقيم عليه شَرَع، تبارك وتعالى، وله الفضل والمنة، يعطفُ الصدِّيق على قريبه ونسيبه، وهو مِسْطَح بن أثاثة، فإنه كان ابن خالة الصديق، وكان مسكينًا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر، رضي الله عنه، وكان من المهاجرين في سبيل الله، وقد وَلَق وَلْقَة تاب الله عليه منها، وضُرب الحد عليها. وكان الصديق، رضي الله عنه، معروفًا بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب. فلما نزلت هذه الآية إلى قوله: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك، وكما تصفح نصفح عنك. فعند ذلك قال الصديق: بلى، والله إنا نحب - يا ربنا - أن تغفر لنا. ثم رَجَع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا، في مقابلة ما كان قال: والله لا أنفعه بنافعة أبدًا، فلهذا كان الصدّيق هو الصديق رضي الله عنه وعن بنته". اهـ

بل وذكر ابن حجر من رواية الطبراني: "أن أبا بكر، رضي الله عنه، صار يعطي مسطحا ضعف ما كان يعطيه قبل ذلك". اهـ

وفي قول ابن كثير رحمه الله: "وتاب الله على مَن كان تكلم من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحد على مَن أقيم عليه".

إشارة إلى توبة الله، عز وجل، على حسان ومسطح وحمنة، رضي الله عنهم، فالحدود كفارات لأهلها، كما ذكر النووي، رحمه الله، في تبويبه على حديث عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، مرفوعا، وفيه: "تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ". اهـ

فليس من شرط الولاية: العصمة، وقد كان حسان، رضي الله عنه، ينافح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشعره، وقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، فلما تكلم في حادثة الإفك بما تكلم، حده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم تسقط عدالته بذلك، وتأييد جبريل عليه السلام له إنما يكون حال منافحته عن الله ورسوله، فإن زال الوصف زال الحكم، وإن ثبت الوصف ثبت الحكم، فـ: "الحكم يدور مع علته وجودا أو عدما"، كما تقرر في الأصول، وقد ثبت الوصف في حقه مرة أخرى، لما ذب عن عرض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمدح أم المؤمنين الطاهرة المطهرة بقوله:

حَصَان رَزَانٌ ما تُزَنّ بريبة ******* وتُصْبح غَرْثَى من لُحوم الغَوَافل

وسبقت الإشارة إلى هذا البيت.

ومما يستفاد من هذه الحادثة:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير