يعني: طرائقه ومسالكه إلى المعصية، فلا يأمر بمعصية إلا زخرفها، فيرى العاصي: القبيح حسنا، فيقع فيه مع ما فيه من المفسدة الآجلة وإن حصلت به لذة عاجلة سرعان ما تنقضي ويعقبها حسرة في القلب وضيق في الصدر وهم وحزن فتكون سبب شقائه في الدنيا والآخرة.
يقول ابن كثير رحمه الله:
"قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}: عمله. وقال عكرمة: نزغاته. وقال قتادة: كل معصية فهي من خطوات الشيطان. وقال أبو مِجْلَز: النذور في المعاصي من خطوات الشيطان.
وقال مسروق: سأل رجل ابن مسعود فقال: إني حرمت أن آكل طعامًا؟ فقال: هذا من نزعات الشيطان، كَفِّر عن يمينك، وكُل.
وقال الشعبي في رجل نَذَر ذَبْح ولده: هذا من نزغات الشيطان، وأفتاه أن يذبح كبشًا". اهـ
فتفسير عبد الله بن مسعود وأبي مجلز والشعبي، من باب التفسير بـ: "المثال" فيذكر أحد أفراد عموم اللفظ، لا على سبيل التنصيص، وإنما على سبيل المثال، وبـ: "المثال يتضح المقال"، وقد تقرر أن: ذكر بعض أفراد العام لا يخصصه، فعموم قوله تعالى: (خطوات الشيطان)، وهو جمع مضاف إلى محلى بـ: "أل"، لا يخصصه قول أبي مجلز: النذور في المعاصي من خطوات الشيطان، بدليل قوله: "من"، أي أن: نذر المعصية من جنس خطوات الشيطان فـ: "من" في هذا السياق: لبيان الجنس، وقد يصح القول بأنها للتبعيض.
فليس نذر المعصية وحده من خطوات الشيطان، وإنما: النظر إلى المحرم خطوة إلى الزنا، وربا الفضل خطوة إلى ربا النسيئة، وشرب القليل من المسكر خطوة إلى شرب الكثير، والصلاة عند القبور خطوة إلى تعظيمها ......... ، إلخ، ولهذا جاءت الشريعة بسد الذرائع، وهو أصل عند المالكية، رحمهم الله، فحرمت أعيان المعاصي كالزنا، وحرمت وسائلها: كالنظر، فالأول: محرم تحريم مقاصد، فتحريمه مراد لذاته، والثاني: محرم تحريم وسائل فتحريمه مراد لغيره، وقد قرر أهل العلم أن لـ: "الوسائل أحكام المقاصد" إيجابا أو استحبابا أو كراهة أو تحريما.
وفي قوله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا):
تأكيد على أن التزكية لا تكون إلا شرعية، فنص على العموم بـ: "من" في: "من أحد" المؤكدة لعموم النفي: "ما زكا"، وأكده ثانية بقوله: "أبدا".
فلا يحل لأحد أن يحدث من التزكية ما لم يأذن به الشارع، عز وجل، كما فعل أهل التصوف الذين غلوا في هذا الباب، فعبدوا الله، عز وجل، بالجوع والعطش، وجعلوا المشقة: أصلا، مع أن: "المشقة تجلب التيسير" كما قرر أهل العلم، والمشقة إنما تكون تبعا لا أصلا، فليست مقصودة لذاتها، فالله، عز وجل، غني عن تعذيب عباده لأنفسهم.
وفي الصحيح من حديث أنس، رضي الله عنه، مرفوعا: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ قَالَ مَا بَالُ هَذَا قَالُوا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ).
وقد بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالحنيفية السمحة، مصداق حديث أبي أمامة، رضي الله عنه، مرفوعا: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَلَكِنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ).
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 09 - 2008, 02:23 ص]ـ
ومع قوله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ):
"يأتل": فعل مضارع مصدره: "ألية" وهو: الحلف، ومنه:
قول الشاعر:
تألى ابن أوس حلفة ليردني ******* إلى نسوة كأنهن مفائد
أي: حلف حلفة، فـ: "حلف": مصدر معنوي لـ: "تألى".
وقول الآخر:
علي ألية إن كنت أدري ******* أينقص حب ليلى أم يزيد
أي: علي يمين.
وقوله تعالى: (أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى):
أي: على أن يؤتوا.
وقوله تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا):
أمر إرشاد.
¥