فـ: "أل" في "المحصنات": "أل" الموصولة التي تفيد العموم، فيشمل الحكم كل من اتصف بصلتها، فآل الكلام إلى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ اللاتي أحصن، فلم يفرق بين محصنة وأخرى، على أن لأمهات المؤمنين، رضي الله عنهن، من المكانة ما ليس لغيرهن، بحكم قربهن من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونزول براءة إحداهن، فلا يسوى بينهن وبين بقية النساء، فقذف غيرهن: كبيرة، وقذفهن: كفر، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
*****
قوله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ):
فـ: "يوم": ظرف وقوع العذاب الأليم، فهو واقع بهم يوم يختم الله، عز وجل، على أفواههم، وتتكلم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كسبت.
يومئذ: أي يوم إذ يوفيهم الله، عز وجل، حسابهم، فالتنوين في: "إذ": تنوين عوض عن جملة يضاف إليها الظرف: "إذ".
والدين يطلق على:
ما يتدين به الإنسان.
والخُلُق: ومنه قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ)، والحديث عند أحمد، رحمه الله، في مسند أبي هريرة رضي لله عنه.
والجزاء والحساب: وهو المقصود في هذه الآية، وسمي يوم القيامة: يوم الدين، لوقوع الحساب والجزاء فيه.
يقول ابن كثير رحمه الله:
"وقوله: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} قال ابن عباس: {دِينَهُمُ} أي: حسابهم، وكل ما في القرآن {دِينَهُمُ} أي: حسابهم. وكذا قال غير واحد.
ثم إن قراءة الجمهور بنصب {الْحَقَّ} على أنه صفة لدينهم، وقرأ مجاهد بالرفع، على أنه نعت الجلالة، أي: اللهُ الحقُ، وقرأها بعض السلف في مصحف أبي بن كعب: (يومئذ يوفيهم الله الحقّ دينهم) ". اهـ
وقراءة أبي، رضي الله عنه، مخالفة لمصحف عثمان، رضي الله عنه، فلا تجوز القراءة بها الآن، فإما أن تكون من الأحرف التي اندثرت، وإما أن تكون مما نسخ، فلم يعارض به جبريلُ عليه السلام النبيَ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في العرضة الأخيرة التي شهدها زيد بن ثابت رضي الله عنه.
وقوله: (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ):
فيه توكيد بتصدير الجملة بفعل العلم القلبي الجازم، و: "أن"، و: ضمير الفصل: "هو"، وتعريف الجزأين: "الله" و "الحق"، ففيها من المؤكدات ما يبطل إنكار المنكر، وتردد المتردد من باب أولى.
واسم "المبين" له جذران:
لازم من "بان": فيكون دالا على صفة ذات، هو عز وجل، بين لذوي العقول، كما أشار إلى ذلك البيهقي، رحمه الله، في "شعب الإيمان" بقوله: "المبين: وله معان منها أنه بين لذوي العقول، ومنها أن الفضل يقع به ومنها أن التحقيق، والتمييز إليه، ومنها أن الهداية به". اهـ
ومتعد من "أبان" المتعدي بهمزة التعدية: فيدل على صفة الإبانة، فهو مبين في ذاته، جل وعلا، مُبَيِنٌ لغيره طريق الهداية، فلا يحصل البيان المنجي في: العلميات والعمليات، إلا من جهة الشارع عز وجل.
والأولى: صفة ذات، والثانية: صفة فعل متعلقة بمشيئة الباري عز وجل.
*****
قوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ):
ذكر أهل العلم لهذه الآية تفسيرين:
الأول: الكلمات الخبيثات للخبيثين، والخبيثون من الرجال للكلمات الخبيثات والكلمات الطيبات للطيبين، والطيبون من الرجال للكلمات الطيبات، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما.
والثاني: النساء الخبيثات للخبيثين، والخبيثون من الرجال للنساء الخبيثات والنساء الطيبات للطيبين، والطيبون من الرجال للنساء الطيبات، وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رحمه الله.
فيكون في الكلام حذف للموصوف وإقامة للصفة مقامه، نظير:
قوله تعالى: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)، أي: دروعا سابغات.
وقول الشاعر:
¥