وقال أبو حاتم الرازي رحمه الله: "أثبت الناس في الأعمش سفيان ثم أبو معاوية ومعتمر بن سليمان أحب إلي من أبي معاوية يعني في غير حديث الأعمش".
وقال ابن خراش: يقال: هو في الأعمش ثقة، وفى غيره فيه اضطراب، وكذلك قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: هو في غير الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظا جيدا.
من ترجمة أبي معاوية من "ميزان الاعتدال"، ترجمة: 10618 في الكنى.
فحاصل القول: أن أبا معاوية ثقة في الأعمش مضطرب في غيره، وفي روايته عن هشام بن عروة، بعينها، اضطراب نص عليه أحمد رحمه الله.
والرواية محل البحث من طريق غير الأعمش، بل هي من طريق هشام بن عروة التي تكلم فيها أحمد، رحمه الله، فلا حجة فيها.
فضلا عن كون هذه الرواية اللقيطة لم ترد في كتاب معتمد من كتب السنة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فالفراء، رحمه الله، من أئمة اللغة، فلم يكن له اختصاص بالرواية، فالغالب عليه، كما يقول الحافظ رحمه الله في "التهذيب": الأدب، ولم يرو له البخاري إلا تعليقا في موضعين في تفسير الحديد والعصر ولم يذكره المزي، رحمه الله، في "تحفة الأشراف"، لندرة روايته في كتب الأصول فليس له فيها إلا هاتان الروايتان المعلقتان.
ومحمد بن حميد سبق بيان حاله.
فكيف يعتمد على رواية كهذه في إثبات أمر جليل كهذا، فالاستدلال بمثل هذه الروايات في الطعن على كتاب الله، عز وجل، هو دأب أهل الباطل من أهل الملل الأخرى، كما هو حاصل من بعض النصارى المعاصرين، (لاسيما نصارى مصر أدعياء العلم والتحقيق، مع أن بعضهم لا يعرف أصلا مواضع الآيات التي يحتج بها على المسلمين!!!)، وأهل الأهواء من النحل التي تنتسب إلى القبلة، وعلى رأسهم الرافضة الغلاة، فيعرض أولئك المغرضون عن المحكمات إلى المتشابهات والمنكرات والموضوعات ليشيدوا بها بدعهم.
وإذا نظرت إلى مستنداتهم وجدتها:
إما ألفاظا صحيحة غير صريحة أساءوا فهمها، لعظيم جهلهم، أو تعمدوا ذلك، فحملوها على وجه باطل، ولم يردوها إلى محكمها.
أو: ألفاظ باطلة، وهو الغالب على استدلالاتهم، التقطوها من كتب التواريخ المشبوهة كتواريخ: اليعقوبي والمسعودي، أو كتب الأسمار ككتاب الأصفهاني، "الأغاني"، وكتاب ابن عبد ربه، "العقد الفريد"، أو التفاسير وكتب اللغة التي يروي أصحابها ما وقع في أيديهم، سواء أسندوه أم لم يسندوه.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"ولهذا تجد المعتزلة والمرجئة والرافضة وغيرهم من أهل البدع يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم وما تأولوه من اللغة ولهذا تجدهم لا يعتمدون على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأئمة المسلمين فلا يعتمدون لا على السنة ولا على إجماع السلف وآثارهم وإنما يعتمدون على العقل واللغة وتجدهم لا يعتمدون على كتب التفسير المأثورة والحديث وآثار السلف وإنما يعتمدون على كتب الأدب وكتب الكلام التى وضعتها رؤوسهم وهذه طريقة الملاحدة أيضا إنما يأخذون ما في كتب الفلسفة وكتب الأدب واللغة، وأما كتب القرآن والحديث والآثار فلا يلتقون إليها. هؤلاء يعرضون عن نصوص الأنبياء إذ هى عندهم لا تفيد العلم وأولئك يتأولون القرآن برأيهم وفهمهم بلا آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه". اهـ
"الإيمان"، ص76، 77.
ويقول في "مجموع الفتاوى":
"وَالْمُصَنِّفُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ: كالبغوي وَابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَنَحْوِهِمَا: كَالْمُصَنِّفِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي سَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ: هُمْ بِذَلِكَ أَعْلَمُ وَأَصْدَقُ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُمْ يُسْنِدُونَ مَا يَنْقُلُونَهُ عَنْ الثِّقَاتِ أَوْ يُرْسِلُونَهُ عَمَّنْ يَكُونُ مُرْسِلُهُ يُقَارِبُ الصِّحَّةَ بِخِلَافِ الْإِخْبَارِيِّينَ فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّا يُسْنِدُونَهُ عَنْ كَذَّابٍ أَوْ مَجْهُولٍ. وَأَمَّا مَا يُرْسِلُونَهُ فَظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. وَهَؤُلَاءِ لَعَمْرِي مِمَّنْ يَنْقُلُ عَنْ غَيْرِهِ مُسْنَدًا أَوْ مُرْسَلًا. وَأَمَّا أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَنَحْوُهُمْ: فَيَعْتَمِدُونَ عَلَى نَقْلٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ أَصْلًا لَا ثِقَةٌ وَلَا مُعْتَمَدٌ. وَأَهْوَنُ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ
¥