تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فليس نفي أمر الوجوب بناف لأمر الاستحباب، فنفي الأعلى لا يستلزم نفي الأدنى، كما في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ)، فنفي أمر الإيجاب الأعلى لا يستلزم نفي أمر الاستحباب الأدنى، فانتفى وجوب السواك وثبت استحبابه، فكذا الأمر في الاستئذان على الزوجة، فهو، وإن كان غير واجب إلا أنه مستحب لئلا يطلع عليها في هيئة تكرهها.

ويشهد لذلك ما رواه الطبري، رحمه الله، من طريق القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا محمد بن حازم، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرَّة، عن يحيى بن الجزار، عن ابن أخي زينب - امرأة عبد الله بن مسعود -، عن زينب، رضي الله عنها، قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب، تنحنح وبزق، كراهية أن يهجُم منا على أمر يكرهه.

قال ابن كثير رحمه الله:

"إسناد صحيح". اهـ

وفي حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، مرفوعا: (أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا أَيْ عِشَاءً لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ)، وفي رواية: (إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمْ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا).

فيشرع للرجل ألا يطرق أهله ليلا بعد طول غيبة قبل أن يعلمها، وإلى ذلك أشار الحافظ، رحمه الله، بقوله: "التَّقْيِيد فِيهِ بِطُولِ الْغَيْبَة يُشِير إِلَى أَنَّ عِلَّة النَّهْي إِنَّمَا تُوجَد حِينَئِذٍ، فَالْحُكْم يَدُور مَعَ عِلَّته وُجُودًا وَعَدَمًا، فَلَمَّا كَانَ الَّذِي يَخْرُج لِحَاجَتِهِ مَثَلًا نَهَارًا وَيَرْجِع لَيْلًا لَا يَتَأَتَّى لَهُ مَا يَحْذَر مِنْ الَّذِي يُطِيل الْغَيْبَة كَانَ طُول الْغَيْبَة مَظِنَّة الْأَمْن مِنْ الْهُجُوم، فَيَقَع الَّذِي يَهْجُم بَعْد طُول الْغَيْبَة غَالِبًا مَا يُكْرَه، إِمَّا أَنْ يَجِد أَهْله عَلَى غَيْر أُهْبَة مِنْ التَّنَظُّف وَالتَّزَيُّن الْمَطْلُوب مِنْ الْمَرْأَة فَيَكُون ذَلِكَ سَبَب النَّفْرَة بَيْنهمَا، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث الْبَاب الَّذِي بَعْده بِقَوْلِهِ " كَيْ تَسْتَحِدّ الْمُغِيبَة، وَتَمْتَشِط الشَّعِثَة " وَيُؤْخَذ مِنْهُ كَرَاهَة مُبَاشَرَة الْمَرْأَة فِي الْحَالَة الَّتِي تَكُون فِيهَا غَيْر مُتَنَظِّفَة لِئَلَّا يَطَّلِع مِنْهَا عَلَى مَا يَكُون سَبَبًا لِنَفْرَتِهِ مِنْهَا، وَإِمَّا أَنْ يَجِدهَا عَلَى حَالَة غَيْر مُرْضِيَّة وَالشَّرْع مُحَرِّض عَلَى السَّتْر وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " أَنْ يَتَخَوّنَهُم وَيَتَطَلَّب عَثَرَاتهمْ " فَعَلَى هَذَا مَنْ أَعْلَم أَهْله بِوُصُولِهِ وَأَنَّهُ يَقْدُم فِي وَقْت كَذَا مَثَلًا لَا يَتَنَاوَلهُ هَذَا النَّهْي، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ اِبْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحه، ثُمَّ سَاقَ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر قَالَ " قَدِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَة فَقَالَ: لَا تَطْرُقُوا النِّسَاء، وَأَرْسَلَ مَنْ يُؤَذِّن النَّاس أَنَّهُمْ قَادِمُونَ " قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة نَفَعَ اللَّه بِهِ: فِيهِ النَّهْي عَنْ طُرُوق الْمُسَافِر أَهْله عَلَى غِرَّة مِنْ غَيْر تَقَدُّم إِعْلَام مِنْهُ لَهُمْ بِقُدُومِهِ، وَالسَّبَب فِي ذَلِكَ مَا وَقَعَتْ إِلَيْهِ الْإِشَارَة فِي الْحَدِيث قَالَ: وَقَدْ خَالَفَ بَعْضهمْ فَرَأَى عِنْد أَهْله رَجُلًا فَعُوقِبَ بِذَلِكَ عَلَى مُخَالَفَته". اهـ

*****

قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ):

فالمعنى: فإن لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم، فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، فالغاية: "حتى"، تدل بمفهومها على إباحة الدخول إذا أذن للطارق، فحكم ما بعدها يخالف حكم ما قبلها، كما في قوله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)، فحكم ما بعد الغاية: "إلا" بخلاف حكم ما قبلها، فدخول الليل: كاشف عن انتهاء زمن عبادة الصوم، فيصير الإفطار مباحا بعد أن كان محظورا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير