قوله تعالى: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ):
في قوله تعالى: (فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ):
مرجع الضمير: "هو" هو: المصدر المتصيد من السياق، فالمعنى: ارجعوا فالرجوع أزكى لكم، ونظيره:
قوله تعالى: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)، أي: اعدلوا فالعدل أقرب للتقوى.
وقوله تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا)، أي: ولا يحسبن أولئك البخل خيرا لهم.
وقوله تعالى: (نْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، أي: فالإعطاء خفية خير لكم ويكفر عنكم .......... إلخ.
يقول القرطبي رحمه الله:
"وأسند الطبري عن قتادة قال: قال رجل من المهاجرين: لقد طلبت عمري هذه الآية فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع فارجع وأنا مغتبط، لقوله تعالى: {هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} ". اهـ
وهذا من تمام فقهه، رضي الله عنه، بخلاف ما عليه الحال في زماننا، فإن رد الزائر، لظرف طارئ، مما يوغر الصدور ويورث البغضاء، مع أن الشارع، عز وجل، قد أباح له ذلك، ولو بلا عذر، لأن وقته ملك له، يصرفه كيف شاء، طالما لم يرتكب إثما.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم):
فيه: تقديم ما حقه التأخير، فأصل الكلام: والله عليم بما تعملون، وفي ذلك دلالة على توكيد علم الله، عز وجل، لخائنة الأعين، ليحترز أهل التجسس على البيوت من النظر إلى ما لا يحل.
يقول القرطبي رحمه الله:
"قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} توعد لأهل التجسس على البيوت وطلب الدخول على غفلة للمعاصي والنظر إلى ما لا يحل ولا يجوز، ولغيرهم ممن يقع في محظور". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (12/ 184).
قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ):
يقول القرطبي، رحمه الله، في سبب نزول هذه الآية:
"روي أن بعض الناس لما نزلت آية الاستئذان تعمق في الأمر، فكان لا يأتي موضعا خربا ولا مسكونا إلا سلم واستأذن، فنزلت هذه الآية، أباح الله تعالى فيها رفع الاستئذان في كل بيت لا يسكنه أحد لأن العلة في الاستئذان إنما هي لأجل خوف الكشفة على الحرمات فإذا زالت العلة زال الحكم". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (12/ 184).
والمتاع في لغة العرب هو: المنفعة، كما قال أبو جعفر النحاس، ومنه قوله تعالى: (فمتعوهن).
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 10 - 2008, 07:19 ص]ـ
ومع:
قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ):
فعل القول محذوف للدلالة عليه، فتقدير الكلام: قل للمؤمنين غضوا يغضوا، فالفعل: "يغضوا" مجزوم في جواب الطلب المحذوف، إما بنفس الطلب، أو بتقدير شرط محذوف فيكون تقدير الكلام: قل للمؤمنين غضوا من أبصاركم، إن تقل لهم غضوا يغضوا، وإلى ذلك أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله: "ومفعولُ الأمر أمرٌ آخرُ قد حُذف تعويلاً على دلالة جوابه عليه أي قُل لهم غُضُّواً {يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} عمَّا يحرُم ويقتصروا به على ما يحلُّ". اهـ، فحذف المتقدم: "غضوا" لدلالة المتأخر عليه: "يغضوا"، والمطرد في هذا الباب: حذف المتأخر لدلالة المتقدم عليه، لا العكس.
وفي الإتيان بالأمر على هذه الصيغة: مدح للمؤمنين، من جهة سرعة الامتثال، فكأن الأمر قد صار جازما بمجرد صدوره فصح وروده بصيغة الشرط المقتضي لجوابه بتحقق شرطه، فبمجرد حصول فعل الشرط: وهو قوله لهم: "غضوا"، فإن المشروط: وهو غضهم، سيحصل لا محالة.
ومنه قوله تعالى: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ):
¥