تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والقول الأول أرجح من جهة عموم معناه، فالأمر بحفظ الفروج أمر بسترها وزيادة.

وقوله: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ):

روى الأعمش عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: "وجهها وكفيها والخاتم". اهـ

وهذا مذهب الجمهور، كما أشار إلى ذلك ابن كثير، رحمه الله، بقوله: "ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين، وهذا هو المشهور عند الجمهور، ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في سننه: حدثنا يعقوب بن كعب الإنطاكي ومُؤَمَّل بن الفضل الحَرَّاني قالا حدثنا الوليد، عن سعيد بن بَشِير، عن قتادة، عن خالد بن دُرَيك، عن عائشة، رضي الله عنها، أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرَى منها إلا هذا" وأشار إلى وجهه وكفيه.

لكن قال أبو داود وأبو حاتم الرازي: هذا مرسل، خالد بن دُرَيك لم يسمع من عائشة، فالله أعلم". اهـ

وقد ضعف جمهور أهل العلم هذا الحديث سندا ومتنا.

والجمهور، كما تقدم، على جواز كشف الوجه والكفين، خلافا للحنابلة، رحمهم الله، الذين قالوا بوجوب ستر الوجه، بينما استحبه الجمهور، ووافقوا الحنابلة في إيجابه إذا كان الزمان زمان فتن، أو كانت المرأة جميلة تُخْشى الفتنة من كشف وجهها، أو كان عليه زينة.

يقول القرطبي رحمه الله:

"فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها، والله الموفق لا رب سواه. وقد قال ابن خويز منداد من علمائنا (أي المالكية رحمهم الله): إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك، وإن كانت عجوزا أو مقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (12/ 193).

فصار الإجماع منعقدا على:

أولا: وجوب ستر سائر البدن عدا الوجه والكفين.

ثانيا: وجوب ستر الوجه في الصور الثلاثة المتقدمة، (زمن الفتن، أو إذا كانت المرأة جميلة، أو كان على وجهها زينة).

ثالثا: مشروعية ستر الوجه، ابتداء، إما على سبيل الوجوب، أو على سبيل الاستحباب.

ومحل النزاع: هل تؤمر المرأة بستر وجهها ابتداء، كما قال الحنابلة، رحمهم الله، أم يستحب لها ستره ولا تأثم بكشفه إذا أمنت الفتنة، كما قال الجمهور رحمهم الله.

فالقول بأن ستر الوجه لا أصل له في الشريعة، أو أنه عادة لا معنى للتعبد فيها كما قال بعض المفتين المعاصرين، قول محدث لا أصل له، والله أعلم.

وفي حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، مرفوعا: (لَا تَنْتَقِبُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ)، وهو عند مالك في "الموطأ" وأبي داود في "سننه"، دليل على أن النساء كن يلبسن النقاب زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسكوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم على لبس النساء له إقرار بمشروعيته، فالسكوت في موضع البيان: بيان.

وأما حديث أسماء رضي الله عنها: ففي إسناده: خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها، قال الذهبي، رحمه الله، في "ميزان الاعتدال": ت: 2419:

"عن عائشة منقطع لم يسمع منها، قاله عبد الحق الحافظ، (أي: عبد الحق الإشبيلي، صاحب "الأحكام")، وشيخنا المزي (أي: أبو الحجاج المزي، صاحب "تحفة الأشراف").

روى سعيد بن بشير، عن قتادة، عنه، عنها في أن الأمة لا تستر وجهها.

رواه أبو داود بمعناه، وقال المزني: روى عن ابن عمر، ولم يدركه، ........... وثقه ابن معين، والنسائي، لكن روايته عن الصحابة مرسلة". اهـ

فالحديث معل بالإرسال، كما تقدم، والله أعلم.

قوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ):

يقول ابن كثير رحمه الله: "وقال في هذه الآية الكريمة: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} والخُمُر: جمع خِمار، وهو ما يُخَمر به، أي: يغطى به الرأس، وهي التي تسميها الناس المقانع.

قال سعيد بن جبير: {وَلْيَضْرِبْن}: وليشددن {بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} يعني: على النحر والصدر، فلا يرى منه شيء". اهـ

فالجيب هو: الفتحة التي يدخل الرأس منها في الثوب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير