تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"هذه الآية تعم كل ما نطق به لغير الله. فيقال: أهللت بكذا، إذا تكلمت به، وإن كان أصله الكلام الرفيع، فإن الحكم لا يختلف برفع الصوت وخفضه، وإنما لما كانت عادتهم رفع الصوت في الأصل، خرج الكلام على ذلك، فيكون المعنى: وما تكلم به لغير الله، وما نطق به لغير الله". اهـ بتصرف يسير.

وهذا باب واسع يحل كثيرا من الإشكالات في تقييد النصوص وإطلاقها، فليس كل قيد معتبرا، وإنما القرائن قد تحتف بالنص، فتشهد له بالاعتبار تارة، وبالإلغاء تارة أخرى.

قوله تعالى: (وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ):

دليل على عدم مؤاخذة المكره بأفعاله، فلا يقع بيعه أو طلاقه، خلافا للأحناف، رحمهم الله، الذين قاسوا حاله على حال الهازل بجامع أن كليهما لا يقصد ما يقول، وهو قياس مع الفارق، لأن الهازل، وإن كان لا يقصد ما يقوله إلا أن اختياره صحيح، بينما المكره: له اختيار، أيضا، ولكنه اختيار فاسد، لا يصح اعتباره في نفاذ أقواله وأفعاله.

يقول ابن كثير رحمه الله:

"وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا يحيى بن عبد الله، حدثني ابن لَهِيعَة، حدثني عطاء، عن سعيد بن جُبَيْر قال: في قراءة عبد الله بن مسعود: "فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" وإثمهن على من أكرههن.

وفي الحديث المرفوع، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رُفِع عن أمَّتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) ". اهـ

وقراءة ابن مسعود، رضي الله عنه، قراءة آحاد، لم تثبت قرآنا متواترا، فلا يقرأ بها، وإن صح الاستئناس بها في تفسير الآيات وتبيين الأحكام.

قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ):

فالآيات هنا هي: الآيات الشرعية بقرينة: الإنزال، وقوله تعالى: (وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ)، تنبيه على سنن الله، عز وجل، الكونية والشرعية في المكذبين، فيقاس عليها طردا وعكسا، فمن وافقهم في علة التكذيب استحق ما حل بهم طردا، فالتسوية بين المتماثلين أمر مطرد في نصوص الشريعة، ومن خالفهم فيها: نجا ولم يحل به ما حل بهم عكسا، فالتفرقة بين المختلفين أمر مطرد، أيضا، في نصوص الشريعة.

وقياس الطرد والعكس برهان عقلي مطرد في آي الكتاب.

وقوله تعالى: (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ):

تعليق لحكم الاتعاظ بآيات القرآن العظيم على وصف التقوى الذي اشتق منه اسم الفاعل: "المتقين" فليس كل من قرأ القرآن اتعظ، وإنما يتعظ بقراءته من تحقق فيه وصف التقوى دون من سواه، فدلت الآية بمفهوم الوصف: أن غير المتقي لا يتعظ بهذا القرآن، مصداق قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا).

ومثله قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)، فعلق حكم التعقل، بأقوى أدوات الحصر: "الاستثناء والنفي" على الوصف الذي اشتق منه اسم الفاعل: "العالمون"، فدلت الآية بالمنطوق على: تعقل العالم، وبالمفهوم على: إعراض الجاهل وعدم انتفاعه.

وهذا أمر مطرد، أيضا، في نصوص الشريعة، يمكن المستدل من إدراك علل الأحكام، ليقيس عليها، ما يماثلها، طردا وعكسا، وقد صاغه بعض أهل العلم بقولهم: "تعليق الحكم على وصف مشتق مؤذن بعلية ما منه الاشتقاق".

يقول ابن كثير رحمه الله: " {وَمَوْعِظَةً} أي: زاجرًا عن ارتكاب المآثم والمحارم {لِلْمُتَّقِينَ} أي: لمن اتقى الله وخافه.

قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في صفة القرآن: فيه حكم ما بينكم، وخبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وهو الفَصْل ليس بالهَزْل، مَنْ تركه من جَبَّار قَصَمَه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير