تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقيد: "إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا": لا مفهوم له، فلا يقال بأن الشرط يفيد بدلالة المنطوق: تحريم ذلك إذا كانت الأمة تريد تحصنا، وبدلالة المفهوم: جوازه إن كانت بغيا لا تريد تحصنا، وإنما هو من قبيل: "الوصف الكاشف" الذي خرج مخرج الغالب بيانا للواقع آنذاك، كما في:

قوله تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ)، فإن وصف: "في حجوركم"، لا مفهوم له، فتحرم البنت على زوج أمها التي دخل بها، سواء أربيت في حجره أم لم ترب فيه، وإنما ذكر هذا الوصف لأن الغالب أن البنت تكون مع أمها، فتربى في حجر زوج أمها، وفي المسألة خلاف مرجوح يعتبر المفهوم في هذه الصورة، فلا تحرم إلا إن ربيت في حجره، وتحل إذا ربيت في حجر غيره.

وقوله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)، فقيد: "لا برهان له به": لا مفهوم له، فلا يقال بأن المعنى: فإن كان له به برهان، فهو غير داخل في حكم الذم، فإن الكلام إنما خرج بيانا للواقع، فكل ما دعي من دون الله، عز وجل، فهو مما لا برهان له.

وقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).

فإن الإثم والبغي لا يكون إلا بغير الحق، فلا يقال بأن الإثم والبغي إن كانا بحق فهما غير محرمان، لأن الكلام إنما خرج بيانا للواقع، وكذلك في قوله تعالى: (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا)، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الآية السابقة.

وقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).

فتقييد ذلك بالسفر، لا مفهوم له، فيجوز الرهن في السفر وفي الحضر، خلافا لمجاهد، رحمه الله، الذي قصر ذلك على الصورة المذكورة في الآية: صورة السفر، وإنما ذكرت لأن الحاجة إلى الرهن في السفر أعظم من الحاجة إليه في الحضر، فذكرها من باب: ذكر بعض أفراد العام، وقد تقرر في الأصول: أن ذكر بعض أفراد العام لا يخصصه.

وكذا قوله تعالى: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ): فوصف القبض غير معتبر عند بعض أهل العلم: فيثبت الرهن بمجرد اشتراطه في العقد، وإن لم يقبضه المرتهن، لأن المعنى المقصود في الآية أن القبض من: كمال التوثقة، لا أنه شرط في لزوم الرهن. كما أشار إلى ذلك الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، في "الشرح الممتع".

وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ): فوصف: "أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً" لا مفهوم له، لأنه خرج مخرج الغالب، فربا النسيئة يؤول إلى مضاعفة الدين، بالزيادة على أصله مع كل تأجيل، فيتضاعف أضعافا مضاعفة، فلا يقال بأنه لو لم يكن أضعافا مضاعفة فلا حرج فيه لأن الآية إنما نصت على صورة: الأضعاف المضاعفة، لا يقال ذلك لأنها، كما تقدم، بيان للواقع فتنزل منزلة الوصف الطردي الذي لا يعلق عليه الحكم.

وقوله تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ)، فالمقصود بـ: "ما أهل لغير الله به"، ما نوى به الإنسان التقرب لغير الله، ولو لم يهل رافعا صوته، فوصف الإهلال برفع الصوت لا مفهوم له، وإنما يكفي للحكم بتحريم ذبيحته كونها مما ينوى به التقرب إلى غير الله، عز وجل، سواء أهل أم لم يهل.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "اقتضاء الصراط المستقيم":

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير