وَبَعْدَ ذَلِكَ كله هِدَايَة أخرى، وهي الْهِدَايَة إلى طَرِيقِ الْجَنَّة في الْآخِرَة. وَلِهَذَا كَانَ النَّاسُ مَأْمُورِينَ بِهَذَا الدُّعَاءِ في كُلِّ صلاة، لِفَرْطِ حَاجَتِهِمْ إليه، فَلَيْسُوا إلى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إلى هَذَا الدُّعَاءِ". اهـ
"شرح الطحاوية"، ص350، 351.
والنور المضاف إلى الله، عز وجل، على نوعين:
النوع الأول: ما هو صفة له، عز وجل، فهو من صفات ذاته القدسية، فليس نورا مخلوقا، بل هو نور أزلي أبدي، فيضاف إلى الله، عز وجل، إضافة الصفة إلى الموصوف، ومنه حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، مرفوعا، وفيه: (حِجَابُهُ النُّورُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، النَّارُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ).
فنور الحجاب: نور مخلوق، وسبحات وجهه الكريم: نور غير مخلوق لأنه صفة من صفاته القدسية.
والنوع الثاني: ما هو من خلقه، عز وجل، كنور السماوات والأرض المذكور في الآية، فهو نور مخلوق، وإنما أسند إلى الله، عز وجل، إسناد تشريف، كما في:
قوله تعالى: (هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً): فهي ناقة مخلوقة، ولكنها مفضلة على بني جنسها بكونها معجزة صالح عليه الصلاة والسلام.
وقوله تعالى: (وَرُوحٌ مِنْهُ): فـ: "من" لابتداء الغاية، أي: روح من الأرواح التي ابتدأ الله، عز وجل، خلقها، وإنما خصها بالذكر والإضافة إليه تشريفا لها، فهي روح رسول كريم من أولي العزم من الرسل عليهم الصلاة والسلام.
وقوله تعالى: (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ): فأضاف البيت إليه: إضافة تشريف وتكريم، فهو بيته الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمنا.
بتصرف من "الفتوى الحموية مع شرحي الشيخين: صالح آل الشيخ، و: عبد العزيز الراجحي"، حاشية: ص236_238.
يقول القرطبي رحمه الله:
"واختلف العلماء في تأويل هذه الآية، فقيل: المعنى أي به وبقدرته أنارت أضواؤها، واستقامت أمورها، وقامت مصنوعاتها. فالكلام على التقريب للذهن، كما يقال: الملك نور أهل البلد، أي به قوام أمرها وصلاح جملتها، لجريان أموره على سنن السداد. فهو في الملك مجاز، وهو في صفة الله حقيقة محضة، إذ هو الذي أبدع الموجودات وخلق العقل نورا هاديا، لأن ظهور الموجود به حصل كما حصل بالضوء ظهور المبصرات، تبارك وتعالى لا رب غيره. قال معناه مجاهد والزهري وغيرهما.
قال ابن عرفة: أي منور السموات والأرض. وكذا قال الضحاك والقرظي. كما يقولون: فلان غياثنا، أي مغيثنا. وفلان زادي، أي مزودي. قال جرير:
وأنت لنا نور وغيث وعصمة ******* ونبت لمن يرجو نداك وريق
أي: ذو ورق، (ويشهد لهذا القول قراءة: "الله نَوَرَ السماوات والأرض"، بفتح النون، وتشديد الواو، وهي قراءة سبعية صحيحة وأصح ما يفسر به القرآن: القرآن).
وقال ابن عباس وأنس: المعنى الله هادي أهل السموات والأرض. والأول أعم للمعاني وأصح مع التأويل". اهـ
بتصرف من "الجامع لأحكام القرآن"، (12/ 216).
فرجح، رحمه الله، القول الأول: من جهة عموم معناه فهو، عز وجل، الذي هدى البشر، وخلق فيهم أسباب النظر، وبعث إليهم الرسل بالكتاب المنير.
ويشبه ذلك إلى حد كبير: "رحمة الله عز وجل"، فهي، أيضا، على نوعين:
رحمة غير مخلوقة: وهي صفة من صفات ذاته القدسية، كما في قوله تعالى: (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، فـ: رحمة "الرحمن" العامة الواسعة، و: رحمة "الرحيم" الخاصة الواصلة كلاهما من صفات ذاته القدسية، فهما غير مخلوقتين.
و: رحمة مخلوقة: كما في: حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي).
¥