والتسبيح هو: التنزيه والتقديس، وفي لسان العرب: مادة: "سبح": "والتَّسبيح التنزيه وسبحان الله معناه تنزيهاً لله من الصاحبة والولد وقيل تنزيه الله تعالى عن كل ما لا ينبغي له أَن يوصف ............... وقال ابن شميل، (أي: النضر بن شميل رحمه الله)، رأَيت في المنام كأَنَّ إِنساناً فسر لي سبحان الله فقال أَما ترى الفرس يَسْبَحُ في سرعته؟ وقال سبحان الله السرعةُ إِليه والخِفَّةُ في طاعته وجِماعُ معناه بُعْدُه تبارك وتعالى عن أَن يكون له مِثْلٌ أَو شريك أَو ندٌّ أَو ضدّ". اهـ
والتسبيح هنا هو: الصلاة، ومنه حديث عائشة، رضي الله عنها، مرفوعا: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّهَا وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ).
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:
"وقوله: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} أي: في البُكَرات والعَشِيَّات. والآصال: جمع أصيل، وهو آخر النهار.
وقال سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس: كل تسبيح في القرآن هو الصلاة.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني بالغدو: صلاة الغداة، ويعني بالآصال: صلاة العصر، وهما أول ما افترض الله من الصلاة، فأحب أن يَذْكُرهما وأن يُذَكِّر بهما عباده.
وكذا قال الحسن، والضحاك: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} يعني: الصلاة". اهـ
فأول ما فرضت الصلاة: فُرِضت صلاتان: صلاة في أول النهار، وصلاة في آخره، ثم فرضت الصلوات ركعتين، ثم زِيد في صلاة الحضر في السنة الأولى من الهجرة، كما في حديث عائشة، رضي الله عنها، مرفوعا: (فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ).
يقول الحافظ، رحمه الله، في "الفتح":
"وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي - وَبِهِ تَجْتَمِع الْأَدِلَّة - أَنَّ الصَّلَوَات فُرِضَتْ لَيْلَة الْإِسْرَاء رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمَغْرِب، ثُمَّ زِيدَتْ بَعْد الْهِجْرَة عَقِب إِلَّا الصُّبْح، كَمَا رَوَى اِبْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق الشَّعْبِيّ عَنْ مَسْرُوق عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: "فُرِضَتْ صَلَاة الْحَضَر وَالسَّفَر رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة وَاطْمَأَنَّ زِيدَ فِي صَلَاة الْحَضَر رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ، وَتُرِكَتْ صَلَاة الْفَجْر لِطُولِ الْقِرَاءَة، وَصَلَاة الْمَغْرِب؛ لِأَنَّهَا وِتْر النَّهَار" اهـ. ثُمَّ بَعْد أَنْ اِسْتَقَرَّ فَرْض الرُّبَاعِيَّة خُفِّفَ مِنْهَا فِي السَّفر". اهـ بتصرف يسير
وفي قوله تعالى: (يُسَبِّحُ)، قرئ بـ: البناء لما سمي فاعله، فيكون: "رجال" هو الفاعل، وقرئ بـ: البناء لما لم يسم فاعله، فيكون: "رجال": نائب فاعل، وكأنه قيل: يُسَبَحُ لله فيها، فتطلعت نفس السامع إلى معرفة المسبِح، فسأل: من المسبِح؟، فأجيب بقوله تعالى: (رجال ............. )، فعلى قراءة البناء لما سمي فاعله، لا يكون في الكلام محذوف مقدر، ولا يحسن الوقف إلا على الفاعل: "رجال" لتكتمل الجملة بذكر ركنيها: الفعل: "يسبح" والفاعل: "رجال"، وعلى قراءة البناء لما لم يسم فاعله يكون في الكلام محذوف مقدر، ويصح الوقف على قوله: "بالغدو والآصال"، ثم يستأنف الكلام جوابا على السؤال المقدر.
والقراءة الأولى: أرجح من جهة عدم تقدير محذوف وهو الأصل.
وفي القراءة الثانية: وجه بلاغي لطيف، وهو استثارة السامع واسترعاء انتباهه، ليتساءل عن أولئك المسبحين، ومنه:
¥