تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقوله تعالى: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)، فمن أولئك المتقون؟، (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ).

وليس بعد بيان القرآن بيان!!!.

وقوله تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)، فأجمل الفاحشة في الآية الأولى ثم بينها في الآية الثانية، وتكرار ذكرها إشعار بفرط قبحها وشناعتها، كما أشار إلى ذلك القرطبي رحمه الله.

والعمدة في هذا الباب: الرواية، فالقراءة سنة متبعة، فلا تُوَجَهُ القراءة إلا بعد ثبوت تواترها.

وفي قوله تعالى: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ):

بيان لإجمال السؤال المقدر، فصفة المسبحين أنهم: رجال: (لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)، (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)، فنعتوا بهاتين الخصلتين.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:

"فقوله: {رِجَال} فيه إشعار بهممهم السامية، ونياتهم وعزائمهم العالية، التي بها صاروا عُمَّارا للمساجد، التي هي بيوت الله في أرضه، ومواطن عبادته وشكره، وتوحيده وتنزيهه، كما قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] ". اهـ

وعمارة المساجد إنما تكون بـ: "الأبدان"، إظهارا للشعيرة، وبـ: "الأموال" رفعا للبنيان.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:

"وقال عمرو بن دينار الأعور: كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد، فمررنا بسوق المدينة وقد قاموا إلى الصلاة وخَمَّروُا متاعهم، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد، فتلا سالم هذه الآية: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} ثم قال: هم هؤلاء.

وكذا قال سعيد بن أبي الحسن، والضحاك: لا تلهيهم التجارة والبيع أن يأتوا الصلاة في وقتها.

وقال مطر الوَرَّاق: كانوا يبيعون ويشترون، ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانُه في يده خفضه، وأقبل إلى الصلاة". اهـ

فيكون قول سالم بن عبد الله، رحمه الله، من باب: "التعريف بالمثال"، وهو أقرب إلى ذهن السامع من التعريف بالحد وبيان الوصف، فلم يقصد سالم، رحمه الله، حصر المذكورين في الآية بأولئك، وإنما قصد أنهم من جنس المذكورين في الآية، فهم بعض أفراده، وذكر بعض أفراد العام لا يخصصه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

وإلى ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، في رسالة "مقدمة في أصول التفسير" بقوله:

"فكل قول فيه ذكر نوع داخل في الآية ذكر لتعريف المستمع بتناول الآية له وتنبيهه به على نظيره، فإن التعريف بالمثال قد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطلق، والعقل السليم يتفطن للنوع، كما يتفطن إذا أشير له إلى رغيف، فقيل له: هذا هو الخبز". اهـ

فلو طلب منك أعجمي أن تعرف له مسمى لفظ: "الخبز"، فرحت تحده بالحد المنطقي: الجامع المانع، فقلت: هو ذلك القرص المستدير من الدقيق .............. إلخ، لكان ذلك أشق عليه من إشارتك إلى أحد أفراد "الخبز"، فتقول: هو هذا الرغيف، ولا يعني ذلك أن الخبز مقصور على ذلك الرغيف بعينه، وإنما هو مثال لتقريب حقيقة الشيء إلى ذهن السامع، فالحصر في قولك: حصر أوصاف، لا أعيان، فأوصاف الخبز لا تخرج عن أوصاف هذا الرغيف، وإن كانت أعيانه في الخارج كثيرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير