ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 12 - 2008, 07:52 ص]ـ
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ):
فيه بيان لأحكام الاستئذان، وتصدير الخطاب بـ: "يا أيها الذين آمنوا": دليل على مدنية السورة، أو الآية، كما يقول كثير من أهل العلم، وهو منتقض بنحو:
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فسورة الحج التي جاءت فيها: مكية، وقد يجاب عن ذلك بأن الحكم: أغلبي، لا كلي، أو أن: وصف السورة بأنها مكية لا يمنع وقوع بعض الآيات المدنية فيها، كما في قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)، فالآية قد نزلت في الرجل الذي أصاب من امرأة قبلة، وكان ذلك في المدينة، وسورة هود التي وردت فيها الآية: مكية.
ومثله:
قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، فهي آية مدنية، كما جاء في سبب نزولها من حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، وسورة الإسراء التي وردت فيها: مكية.
والعكس صحيح، فقد تكون السورة مدنية ولا يمنع ذلك وقوع بعض الآيات المكية فيها، كما في قوله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ): فهي آية مكية تشير إلى حادثة الهجرة وقد وردت في سورة الأنفال المدنية.
ويجوز أن يخاطب الله، عز وجل، المؤمنين بصفتهم، ويخاطب غيرهم بإنشاء العبادة ابتداء، كما يؤمر المؤمنون بالمداومة عليها، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ)، فالأمر لهم: أمر تجديد واستمرار لا إنشاء، وإلا كان في الكلام تكرارا، لأن أمر المؤمن بتحصيل الإيمان على جهة الإنشاء: تحصيل حاصل.
يقول السيوطي، رحمه الله، في "الإتقان":
وقال القاضي: إن كان الرجوع في هذا، (أي: في ضابط المكي والمدني استنادا إلى نداء المؤمنين في المدني، ونداء الناس في المكي)، إلى النقل فمسلم، وإن كان السبب فيه حصول المؤمنين بالمدينة على الكثرة دون مكة فضعيف، إذ يجوز خطاب المؤمنين بصفتهم وباسمهم وجنسهم، ويؤمر غير المؤمنين بالعبادة كما يؤمر المؤمنين بالاستمرار عليها والازدياد منها، نقله الإمام فخر الدين في تفسيره". اهـ
وعليه خرج قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ)، فلا يتصور أن المقصود هو: أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإنشاء التقوى من العدم، لأنه، عليه الصلاة والسلام: أتقى الخلق لربه، وإنما المقصود: خطاب أمته في شخصه الكريم، فيكون من الخاص الذي أريد به عام، أو: خطابه بالثبات على التقوى والازدياد منها.
بتصرف من:
"مباحث في علوم القرآن"، ص: 55، 81، 210.
و: "امتاع الجنان بعلوم القرآن": ص155.
والنداء بـ: "يا": تنبيه للمؤمنين، ليمتثلوا ما بعدها.
وقوله تعالى: (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ):
الأمر فيه للوجوب، فاللام: لام الأمر، بدليل جزم الفعل بعدها، ولا صارف لهذا الأمر عن الوجوب.
فالاستئذان واجب في الأوقات الثلاثة المذكورة في الآية:
¥