تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[عبدالرحمن السليمان]ــــــــ[25 - 09 - 2008, 03:09 ص]ـ

أهلا وسهلا بمرورك العطر أختي المكرمة: الثلوج الدائفة.

أظن أن مقولة (الأديب أو المبدع في الشرق يحيا ميتا ويموت حيا .. ) مبالغ فيها، على الأقل إذا أخذنا ما كان يقوله الآخرون عنا بعين الاعتبار، ذلك أن كثيرين من مؤرخي الأمم وحكمائهم كانوا يغبطون الأديب العربي على المنزلة الرفيعة التي كان يتبوأها. وإن كانت هذه المقولة لا تخلو من حق في العصور الرديئة التي نعيشها اليوم، إلا أنها لا تنطبق على الماضي، وإلا فكيف نفسر هذا الكم الكبير من الأدباء والمبدعين العرب على مر الأزمان والدهور؟ إذن لا بد من أخذ السياق التاريخي بعين الاعتبار عند الحكم على صحة هذه المقولة من عدمها.

كان كبير المستعربين الأوربيين في القرن الثامن عشر، ألبيرت شخولتنس، يرد تفوق العرب الخارق في الشعر على سائر الأمم الأخرى، إلى ثلاثة أسباب كان ذكرها في خطبة له باللاتينية وذلك بمناسبة تعيينه أستاذا للدراسات العربية في جامعة أمستردام وقتها، وهي:

1. موهبتهم الطبيعية المتفوقة؛

2. غنى اللغة العربية "الفاحش" وموسيقاها العذبة على حد قوله (والنص باللاتينية: Attendo porro ad incredibilem Arabicae Linguae copiam)

3. الكرم العربي مع أهل الأدب. قال، في سياق مقارنة بين حالة الشاعر العربي الجيدة وحالة الشاعر الغربي التعيسة: "إن الكرم العربي يحول دون شقاء الشاعر وتعاسته" (كما كانت الحالة عليه عند شعراء الغرب في الماضي)!

أما المستشرق الهولندي ولميت (القرن السابع عشر) صاحب المعجم العربي اللاتيني الشهير، فيقول في محاضرة له باللاتينية في "ذوق العرب الجمالي" (= De sensu pulcri Arabum)، وبالأخص عند حديثه عن أبي العلاء المعري الذي اعتبره أكبر "رسام للطبيعة" في الأدب العالمي رغم كونه مكفوف النظر: "انظر ما أروع العرب، وما أعظم عبقريتهم" (والنص باللاتينية: Tanta est Ingenii! Tanta Phantasiae Arabum)!

أما اليهود الذي تلمذوا على العرب في الشعر بعدما استعاروا عنهم بحور الخليل وأدخلوها في القرن الرابع للهجرة ليقرضوا عليها شعرا دنيويا بالعبرية بعدما كان ذلك محرما عليهم قبل احتكاكهم بالعرب في الدولة الإسلامية .. ، فيقول أحد أدبائهم الكبار وقتها وهو يهودا الحريزي (الحريزي بالزاي، وهو صاحب المقامات العبرية المشهورة بـ "تَحْكِمُوني"، التي حاكى فيها الهمذاني في مقاماته) في هذا المجال: ??? ?? ???? ????? ... ??? ????? ???? ??? ????? "اعلموا أن الشعر العجيب كان منذ البداية مُلكاً للعرب" .. ويقول عن أشعار الأمم الأخرى ما يلي: ?? ?????? ???? ???? ????????? ?? ???? ??? ?????? "إن أشعارهم ليست بشيء مقارنة بأشعار بني إسماعيل" [= العرب]! ولخص "جاحظ اليهود" موسى بن عزرا (القرن الخامس الهجري، وهو شاعر مجيد) في "كتاب المحاضرة والمذاكرة" (كتاب في الأدب العبري كتبه بالعربية) الأمر كما يلي: "الشعر عند بني إسماعيل [= العرب] طبعٌ، وعند سائر الأمم تطبع"!

فالأمم تغبطنا على موهبتنا وعلى ثراء الشعر الأدبي والأدب العربي وعلى بحبوحة أدبائنا، وهذا لا يكون بالموهبة فقط إذ لا بد من رعايتها .. وكان ملوك العرب وأمراؤهم يتعهدون المواهب بالدعم، منذ الجاهلية وحتى اليوم! حتى القارئ العربي، بصفته ممولا، لا يستهان به، فهذا نزار قباني ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ كان يكتفي بشعره بل إن مبيعات دواوينه حققت له ثروة لا يستهان بها .. ولولا أن الأمر كان كما ذكرت لاستحال تفسير وجود هذا الكم الكبير من الشعراء والأدباء المبدعين. صحيح أن ثمة مبدعين لم يأخذوا حقهم من الشهرة والدعم، إلا أنهم استثناء على القاعدة، أو ربما لأن عدد المبدعين كبير. ولا يجوز عكس الحالة البائسة اليوم على الماضي، فاليوم الجميع يشكو: الشاعر والأديب وحتى المترجم!!!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير