تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بمعنى أدق، سرقتها. ومن الطريف أن يشيعوا الفساد في العالم ويبتكروا وسائل شيطانية للسرقة والنصب والاحتيال كالمضاربات المجنونة في بالبورصات المالية ثم يفتحون بنوكهم لاستقبال الأموال المنهوبة والتغطية على عملائهم ممن يدركون أو لا يدركون حقيقة الجريمة التي يرتكبونها بحق أنفسهم وبلدانهم وأهليهم وعائلاتهم.

أما موجات الغلاء الكاسحة التي هاجموا فيها الأفراد في شتى أنحاء العالم فلم يكن لها ما يبررها سوى الاستحواذ على لقمة الغالبية الساحقة من الناس، فلم يكن ثمة نقص في الأرز ولا في القمح ولا في الزيوت ولا في البقوليات ولا في الأدوية ولا في الطاقة ولا في هذه السلعة أو تلك، لكن كان هناك جشع وجنون وترهيب وتخويف واستعباد وحروب وقتل وتدمير وسلب وتهديد. هكذا انهالوا على العامة من البشر في ليلة مظلمة برفع أسعار المواد الأساسية التي بالكاد تطعم مليارات الفقراء والجوعى. فلا يستغربن أحد أن الانهيار القادم من المرجح أن يكون وليد لحظة مفاجئة ودون أية مقدمات قد لا تبقي ولا تذر، ولا يستعجبن أحد إن استيقظ ووجد ثمن رغيف الخبز عشر دولارات أو ثمن سيارته مائة دولار أو أن المدارس أقفلت أو أن الشوارع تعج بالفوضى أو .... .

أغلب دول العالم مربوطة بالعملة الأمريكية، وإذا ما انهارت فسيعني ذلك خسائر لا تعويض عنها، ولن يكون اليورو أو غيره من العملات العالمية أوفر حظا في القيمة، فكلها تتناغم فيما بينها على وقع النظام الرأسمالي الربوي سواء كان في اليورو أو بالدولار. أما الرأسماليين ذوي الأرصدة المحلية في العالم الثالث فعليهم أن يتوقعوا أن حالهم سيكون الأسوأ من بين كبار الخاسرين لأن ملايينهم حينها لن تساوي ثمن الورق الذي طبعت به، ولنا في ذلك أمثلة عديدة في العراق واليمن ولبنان وغيرها من البلدان التي شهدت انهيارات ضخمة في قيمة عملتها.

لكن كل هذا في كفة ومصير الاتحاد الأمريكي، على وجه الخصوص في كفة أخرى. فما الذي يمكن أن يحدث إذا ما ذهبت الأزمة بالولايات المتحدة الأمريكية؟ هل ستتفكك أمريكا؟ أم ستنكفئ كدولة عظمى في أحسن الأحوال؟

يرى الروس من جهتهم وغيرهم أن عصر الهيمنة الأمريكية ولّى إلى غير رجعة، وأن العالم مقدم على نظام متعدد القوى لكنهم غير واضحين بشأن الموقف من النظام الرأسمالي ذاته فيما إذا كان من الممكن استمراره على نفس الوتيرة أم أنه بحاجة إلى إصلاح أو إلغاء على طريقة تدخل الدولة مثلا. أما الصينيون فيراقبون الموقف من الأزمة وكأنها على تخومهم فقط ولن تمسهم رغم خشيتهم من انهيارات الاستثمارات الرأسمالية التي تعشش في بلادهم بشكل هستيري. فكيف سيعوض الصينيون خسارتهم إذا ما انهارت الرساميل والاستثمارات الأجنبية؟ وأين سيجدون من يشتري سلعهم الرخيصة التي خلقت اقتصادا عالميا ثالثا لن يعود بمتناول الفقراء الذين لم يعد لديهم ما ينفقونه حتى على أرخص السلع وأقلها جودة؟ وفيما يتصل باليابانيين فهم يدركون أنهم في قلب العاصفة، وها هم يضخون مليارات الدولارات لتأمين سيولة كافية في السوق من شأنها أن تشعر العامة والخاصة منهم بالأمان ولو لبعض الوقت. أليس مجرد ضخ هذه المليارات يعني أن الخوف يتملكهم من شتى الاتجاهات سواء على اقتصادهم أو على استثماراتهم في الولايات المتحدة؟ وعلى الصعيد الأوروبي فثمة خطر محدق دفع الاتحاد الأوروبي إلى تخصيص قمة للنظر في الأزمة وتداعياتها التي بدأت تضرب بشكل مباشر أنظمتها المالية خاصة في بلجيكا وبريطانيا.

إذن العالم في حرب. ويا لها من مفارقة! فما من حرب عالمية فتاكة إلا وكانت الرأسمالية مصدرها والغرب مسرحا لها. لكن مركز الحرب هذه المرة ومصدرها هي أمريكا وليس ألمانيا ولا اليابان ولا بريطانيا أو فرنسا. وهاتان الأخيرتان لم تعودا سيدتا العالم، أما ألمانيا واليابان فقد أخرجتا من حيز التهديد العسكري لغيرهما. فهل ستخرج الولايات المتحدة؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير