تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالتأكيد ليست الولايات المتحدة فوق الانهيار، ومن يعتقد بأنها محصنة أو معصومة فهو يعيش في كوكب آخر وخارج التاريخ والزمن والسنن. ولا شك أن الفرق بين انهيارها والاتحاد السوفيتي كبير. ولنبدأ بضبط سمات الأخيرة. فالاتحاد السوفياتي كان دولة عظمى لها مركز ضخم تدور في فلكه بقية الدول، فكان من السهل أن ترث روسيا هذه الدولة بدعم عالمي واعتراف غير منقوص ولا حتى محل جدل. وبالتالي أمكن استيعاب الاتحاد السوفييتي عسكريا واقتصاديا بسلاسة ورقّة منقطعة النظير في إطار النظام الدولي القائم بكل ما يشتمل عليه من مؤسسات وعلاقات قوة.

أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة فالموقف مختلف بشكل جذري. فإذا ما استوعب العالم انهيار أمريكا فقد تظل قوة عظمى منكفئة على نفسها دون أن يكون لها تأثيرا عالميا كبيرا. لكنها أقرب إلى التفكك من التوحد. فهي ليست مركزا للاتحاد الذي نشأ أصلا بالقوة والحروب فيما أسمي بالعالم الجديد. بمعنى أن الولايات المتحدة تشبه إسرائيل من حيث النشأة إلى حد كبير، فهي دولة لقيطة ليس لها تاريخ ولا حضارة متصلة ولا تعبر عن قومية أو عرق معين ولا تتمتع بأي أمان جغرافي كما هو الحال بالنسبة للاتحاد السوفيتي حيث مثلت روسيا عمقه الجغرافي والحضاري الآمن منذ فجر التاريخ. وكل ما لديها هو الرأسمال وقيم السوق، ولما ينهار السوق فمن الطبيعي أن تنهار قيمه ومؤسساته وبناه وكل منظومات العلاقات المرتبطة به.

كما أن الاتحاد الأمريكي مكون حتى هذه اللحظة من ولايات تشبه الدول المستقلة، وإذا ما ظهرت بوادر الانهيار في الاتحاد فستكون ولاياته قابلة للتفكك أكثر مما هي قابلة للتوحد، إذ قد تعمد كل ولاية إلى النجاة بنفسها، أو قد تغريها ذات القيم الرأسمالية بالانحياز إلى مبدأ الربح والخسارة في تقرير مصيرها. وحتى هذه الولايات ليست محصنة من التفكك ذاته الذي يتهدد الاتحاد.

الغريب أن أغلب كتاب العالم يتحدثون عن انهيار اقتصادي أمريكي، وقلما يتحدثون عن تداعيات مثل هذا الانهيار، وكأن الولايات المتحدة هي بريطانيا أو اليابان أو الصين! والحقيقة أن الخوف ليس من الانهيار بقدر ما هو في تداعياته وآثاره، وقد لا يسمح العالم في تفكك أمريكا، لكن إذا ما تفككت فمن الذي سيرثها؟

إننا نطرح السؤال في ضوء الهيمنة والنفوذ الأمريكيين خارج الاتحاد وخارج القارة. فثمة جيوش جرارة في شتى بقاع الأرض ابتداء من القوى العسكرية المدمرة ومرورا بالجواسيس والساسة وقوى الضغط وانتهاء بالمرتزقة والمرتهنين بمصير البلاد، وثمة اقتصاد أمريكي في الخارج، ولأنه لا وجود لوريث شرعي فسيكون حتما ثمة طامعين بالوراثة، وثمة ديمغرافيا أمريكية، وثمة .... فما هي مرجعية هؤلاء إذا ما دبت الفوضى في الاتحاد أو شارف على التفكك أو تفكك فعلا؟ وكيف سيتصرفون؟ وبأي أمر سيأتمرون؟ وكيف ستتعامل القوى العالمية مع التفكك الأمريكي؟ وما هو مصير إسرائيل؟ هل ستصمد؟ أو تبحث عمن يتبناها؟ أم ستتفكك؟

لا شك أن البشرية إزاء كارثة، والفائز من يحسن القراءة، أما أولئك الذين يصرون على دفن رؤوسهم في الرمال مراهنين على مرور العاصفة فقد لا سيستطيعون رفعها ثانية لأن كمية الرمال قد تكون كافية لدفنهم إلى الأبد.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير