تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما الذين يجهلون السنة النبوية ويطعنون ببعض الصحابة؛ كالخوارج والرافضة، والذين يعتبرون مرجعهم الأساسي هو العقل، فيردون إليه نصوص الكتاب والسنة ويحتكمون إليه عند التنازع؛ كالمعتزلة والجهمية وأتباع الفلاسفة .. أما هؤلاء فلا عبرة بأقوالهم وآرائهم؛ لأنهم ليسوا من أهل الاجتهاد المعتدِّ به لمخالفتهم أهل السنة في أصول الدين.

هذا وقد أضفت إلى هذه الطبعة موضوعين:

الأول: بيان ماجرى بين العلامة الشيخ عز الدين بن عبد السلام وبعض علماء الحنابلة المعاصرين له، حيث وصفهم بأوصاف شنيعة؛ وذلك كمثَلٍ للآثار السيئة التي ترتبت على الانحراف في الحكم على المخالفين، وعلى أهمية دعوة أهل العلم إلى الأخذ بمنهج الاعتدال في ذلك.

والموضوع الثاني: بيان علاقة هذا الموضوع بظهور الإمام المهدي، وقد كنت كتبت هذا الموضوع في الطبعة الأولى لهذه الرسالة، ثم إني حذفته في المرحلة الأخيرة قبل النشر؛ خشية أن يثير بعض التساؤلات، ولكني رأيت بعد ذلك أن إضافته أمر مهم، خصوصًا وأن الأمة الإسلامية قد تكون مقبلة على فتن كبيرة، فيكون هذا الموضوع مما يكشف بعض الضوء في ذلك.

نماذج من اجتهاد الصحابة

ومما يدل على أن من اجتهد في الدين فأخطأ أنه لا إثم عليه؛ ما أخرجه الشيخان من حديث عبدالله بن عمر م قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "لا يصلينَّ أحدٌ العصرَ إلا في بني قريظة"، فأدرك بعضهم العصر في الطريق؛ فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يُرِد منا ذلك، فَذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنِّف واحدًا منهم ([1]).

وفي هذا الحديث يقول الحافظ ابن حجر: وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحدًا من الطائفتين، فلو كان هناك إثم لعنف من أثم ([2]).

وهذا في مجال الأحكام العملية، ولا فرق في الدين بين الأحكام العملية والعقائد العلمية كما سيأتي.

وفي هذا الحديث يتبين لنا أن الصحابة رضي الله عنهم لم يتناقشوا بينهم .. من هو المصيب ومن هو المخطئ؟ هل هم الذين أخذوا الأمر النبوي على ظاهره؟ أم الذين أخذوا بمقاصد الشريعة؟ فأوَّلوا الأمر بأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد حثَّهم على الإسراع بالوصول إلى ذلك الموقع، وهذا مثَل

مما رباهم الرسول صلى الله عليه وسلم عليه من البعد عن الجدل والاختلاف، فالشيء الذي كانوا يهتمون به هو الحرص على بلوغ رضوان الله تعالى

ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أجل ذلك اجتهدوا في فهم الأمر النبوي.

وعلى هذا فإنه لا لوم على العلماء الذين أخذوا النصوص الشرعية على ظاهرها، ولا على الذين أولوها بما يتفق -في نظرهم- مع المقاصد الشرعية، ولا يجوز لكل فريق أن يحكم على الفريق الآخر بالحكم الذي يخرجه من دائرة أهل السنة والجماعة.

وقد ذكر الإمام ابن تيمية أمثلة من اختلاف الصحابة في بعض أمور العقيدة؛ ومن ذلك قوله: فعائشة أم المؤمنين ك قد خالفت ابن عباس وغيره من الصحابة في أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وقالت: "من زعم أن محمدًا رأى ربه فقد أعظم على الله تعالى الفرية"! وجمهور الأمة على قول ابن عباس، مع أنهم لا يبدِّعون المانعين الذين وافقوا أم المؤمنين ك، وكذلك أنكرت أن يكون الأموات يسمعون دعاء الحي لماَّ قيل لها: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"، فقالت: إنما قال: إنهم ليعلمون الآن أن ما قلت لهم حق، ومع هذا فلا ريب أن الموتى يسمعون خفق النعال، كما ثبت عن رسول

الله ج: "وما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام"، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك من الأحاديث، وأم المؤمنين تأولت، والله يرضى عنها، وكذلك معاوية نُقل عنه في أمر المعراج أنه قال: إنما كان بروحه، والناس على خلاف معاوية، ومثل ذلك كثير.

وأما الاختلاف في "الأحكام" فأكثر من أن ينضبط، ولو كان كلَّما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة، ولقد كان أبوبكر وعمر م سيدا المسلمين يتنازعان في أشياء

لا يقصدان إلا الخير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم بني قريظة:

"لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"، فأدركتهم العصر في الطريق، فقال قوم: لا نصلي إلا في بني قريظة، وفاتهم العصر، وقال قوم: لم يرد منا تأخير الصلاة، فصلوا في الطريق، فلم يعب واحدًا من الطائفتين، أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن عمر، وهذا وإن كان في الأحكام فما لم يكن من الأصول المهمة

فهو ملحق بالأحكام" ([3]).

ويقصد بغير الأمور المهمة جزئيات العقيدة؛ لأنه إنما ساق هذا الدليل بعد ذكر خلاف الصحابة رضي الله عنهم في بعض أمور العقيدة.

وهذه الأمثلة التي ذكرها ابن تيمية من أوضح الأدلة على أن الاجتهاد في أمور العقيدة كان معروفًا عند الصحابة، وأنه لم يكن يترتب على الخلاف في ذلك تبديع ولا تضليل.

([1]) البخاري (4119) في المغازي، مسلم (1770) في الجهاد.

([2]) فتح الباري (7/ 410).

([3]) مجموع الفتاوى (24/ 172، 173).

اقتباسات من كلام الإمام ابن تيمية:

.......

..................


¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير