تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأما التفريق بين نوع وتسميته "مسائل الأصول" وبين نوع آخر وتسميته "مسائل الفروع" .. فهذا الفرق ليس له أصل؛ لا عن الصحابة، ولا عن التابعين لهم بإحسان، ولا أئمة الإسلام، وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع، وعنهم تلقاه من ذكره من الفقهاء في كتبهم، وهو تفريق متناقض، فإنه يقال لمن فرق بين النوعين: ما حدُّ مسائل الأصول التي يكفَّر المخطئ فيها؟ وما الفاصل بينها وبين مسائل الفروع؟ فإن قال: مسائل الأصول هي مسائل الاعتقاد، ومسائل الفروع هي مسائل العمل؛ قيل له: فتنازع الناس في محمد صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه أم لا؟ وفي أن عثمان أفضل من علي، أم علي أفضل؟ وفي كثير من معاني القرآن، وتصحيح بعض الأحاديث .. هي من المسائل الاعتقادية العلمية، ولا كفر فيها بالاتفاق، ووجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وتحريم الفواحش والخمر هي مسائل عملية، والمنكِر لها يكفُر بالاتفاق.

وإن قال: الأصول هي المسائل القطعية، قيل له: كثير من مسائل العمل قطعية، وكثير من مسائل العلم ليست قطعية، وكون المسألة قطعية أو ظنية هو من الأمور الإضافية، وقد تكون المسألة عند رجل قطعية؛ لظهور الدليل القاطع له، كمن سمع النص من الرسول صلى الله عليه وسلم، وتيقن مراده منه، وعند رجل لا تكون ظنية، فضلاً عن أن تكون قطعية؛ لعدم بلوغ النص إياه، أو لعدم ثبوته عنده،

أو لعدم تمكنه من العلم بدلالته.

وقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الذيقال لأهله: "إذا أنا متُّ فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذُرُّوني في اليم، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني الله عذابًا ما عذبه أحدًا من العالمين! فأمر الله البَرَّ بردِّ ما أخذ منه، والبحر برد ما أخذ منه، وقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتُك يا رب؛ فغفر الله له"، فهذا شكَّ في قدرة الله وفي المعاد، بل ظن أنه لا يعود، وأنه لا يقدر الله عليه إذا فعل ذلك، وغفر الله له، وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع ([3]).

وذكر ابن تيمية قاعدة مهمة في الحكم على المجتهدين في مسائل الأصول والفروع، فقال -رحمه الله- بعد كلامٍ له:

ونحن نذكر "قاعدة جامعة" في هذا الباب لسائر الأمة؛ فنقول:

لابدَّ أن يكون مع الإنسان أصول كلية تُردُّ إليها الجزئيات ليتكلم

بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب

وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات؛ فيتولد فساد عظيم.

فنقول: إن الناس قد تكلموا في تصويب المجتهدين وتخطئتهم وتأثيمهم وعدم تأثيمهم في مسائل الفروع والأصول،

ونحن نذكر أصولاً جامعة نافعة:

([1]) المرجع السابق (11/ 336).

([2]) المرجع السابق (6/ 56 - 60).

([3]) المرجع السابق (23/ 346، 347).

ـ[أم تُماضِر]ــــــــ[03 - 01 - 2009, 03:18 م]ـ

بارك الله فيكم أخي

ـ[فصيح الزمان]ــــــــ[10 - 01 - 2009, 01:02 ص]ـ

و إياكم حفظكم الله ...

ـ[فصيح الزمان]ــــــــ[02 - 01 - 2010, 11:15 م]ـ

.....

الأصل الأول:

أنه هل يمكن كل واحد أن يعرف باجتهاده الحق

في كل مسألة فيها نزاع؟ وإذا لم يمكنه فاجتهد واستفرغ وسعه

فلم يصل إلى الحق؛ بل قال ما اعتقَد أنه هو الحق في نفس الأمر؛ ولم يكن هو الحق في نفس الأمر: هل يستحق أن يعاقب أم لا؟

هذا أصل المسألة.

ثم ذكر أقوال بعض الطوائف في تأثيم المجتهدين المخطئين، إلى أن قال: وأما غير هؤلاء فيقول: هذا قول السلف وأئمة الفتوى؛ كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي؛ وغيرهم

لا يُؤثِّمون مجتهدًا مخطئًا في المسائل الأصولية ولا في الفروعية،

كما ذكر ذلك عنهم ابن حزم وغيره؛ ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، ويصححون الصلاة خلفهم، والكافر لا تقبل شهادته على المسلمين ولا يصلَّى خلفه، وقالوا: هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين، أنهم لا يكفِّرون ولا يفسِّقون ولا يؤثِّمون أحدًا من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة عملية ولا علمية.

قالوا:

والفرق بين مسائل الفروع والأصول إنما هو من أقوال أهل البدع

من أهل الكلام والمعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم، وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه، ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غوره.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير