قالوا: والفرق بين ذلك في مسائل الأصول والفروع، كما أنها محدثة في الإسلام لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا إجماع، بل ولا قالها أحد من السلف والأئمة .. فهي باطلة عقلاً؛ فإن المفرقين بين ما جعلوه مسائل أصول ومسائل فروع لم يفرقوا بينهما بفرق صحيح يميز بين النوعين، بل ذكروا ثلاثة فروق أو أربعة كلها باطلة؛ فمنهم من قال: مسائل الأصول هي العلمية الاعتقادية التي يطلب فيها العلم والاعتقاد فقط، ومسائل الفروع هي العملية التي يطلب فيها العمل، قالوا: وهذا فرق باطل؛ فإن المسائل العملية فيها ما يكفر جاحده، مثل: وجوب الصلوات الخمس والزكاة وصوم شهر رمضان وتحريم الزنى والربا والظلم والفواحش، وفي المسائل العلمية ما لا يأثم المتنازعون فيه؛ كتنازع الصحابة؛ هل رأى محمد ربه؟ وكتنازعهم في بعض النصوص؛ هل قاله النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ وما أراد بمعناه؟ وكتنازعهم في بعض الكلمات؛ هل هي من القرآن
أم لا؟ وكتنازعهم في بعض معاني القرآن والسنة؛ هل أراد الله ورسوله كذا وكذا؟ وكتنازع الناس في دقيق الكلام؛ كمسألة الجوهر الفرد وتماثل الأجسام وبقاء الأعراض ونحو ذلك، فليس
في هذا تكفير ولا تفسيق.
قالوا: والمسائل العملية فيها عمل وعلم فإذا كان الخطأ مغفورًا فيها؛ فالتي فيها علم بلا عمل أولى أن يكون الخطأ فيها مغفورًا، ومنهم من قال: المسائل الأصولية هي ما كان عليها دليل قطعي، والفرعية ما ليس عليها دليل قطعي، قال أولئك: وهذا الفرق خطأ أيضًا؛ فإن كثيرًا من المسائل العملية عليها أدلة قطعية عند من عرفها وغيرهم لم يعرفها، وفيها ما هو قطعي بالإجماع؛ كتحريم المحرمات ووجوب الواجبات الظاهرة، ثم لو أنكرها الرجل بجهل وتأويل لم يكفر حتى تقام عليه الحجة، كما أن جماعة استحلوا شرب الخمر على عهد عمر منهم قدامة ([1] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=133205#_ftn1))، ورأوا أنها حلال لهم؛ ولم تكفِّرهم الصحابة حتى بينوا لهم خطأهم فتابوا ورجعوا.
وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة أكلوا بعد طلوع الفجر حتى تبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود؛ ولم يُؤثِّمهم النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عن تكفيرهم، وخطؤهم قطعي، وكذلك أسامة
بن زيد قد قتل الرجل المسلم! وكان خطؤه قطعيًّا، وكذلك الذين وجدوا رجلاً في غنم له فقال: إني مسلم؛ فقتلوه وأخذوا ماله! كان خطؤهم قطعيًّا، وكذلك خالد بن الوليد قتل بني جذيمة وأخذ أموالهم! كان مخطئًا قطعًا.
وكذلك الذين تيمموا إلى الآباط، وعمار الذي تمعك في التراب للجنابة كما تمعك الدابة، بل والذين أصابتهم جنابة فلم يتيمموا ولم يصلُّوا .. كانوا مخطئين قطعًا، وفي زماننا لو أسلم قوم في بعض الأطراف ولم يعلموا بوجوب الحج أو لم يعلموا تحريم الخمر لم يُحَدُّوا على ذلك، وكذلك لو نشؤوا بمكان جهل.
وقد زنت على عهد عمر امرأة، فلما أقرت به قال عثمان: إنها لتستهل به استهلال من لا يعلم أنه حرام، فلما تبين للصحابة أنها لا تعرف التحريم لم يحدُّوها! واستحلال الزنى خطأ قطعًا.
والرجل إذا حلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه فهو مخطئ قطعاً، ولا إثم عليه باتفاق، وكذلك لا كفارة عليه عند الأكثرين.
ومن اعتقد بقاء الفجر فأكل؛ هو مخطئ قطعًا، إذا تبين له الأكل بعد الفجر؛ ولا إثم عليه، وفي القضاء نزاع، وكذلك من اعتقد غروب الشمس فتبين بخلافه، ومثل هذا كثير.
وقول الله تعالى في القرآن:] …رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [[البقرة:286]،قال الله تعالى: "قد فعلت"، ولم يفرق بين الخطأ القطعي في مسألة قطعية أو ظنية، والظني ما لا يجزم بأنه خطأ إلا إذا كان أخطأ قطعًا، قالوا: فمن قال: إن المخطئ في مسألة قطعية أو ظنية يأثم؛ فقد خالف الكتاب والسنة والإجماع القديم.
قالوا: وأيضًا فكون المسألة قطعية أو ظنية هو أمر إضافي بحسب حال المعتقدين، ليس هو وصفًا للقول في نفسه؛ فإن الإنسان قد يقطع بأشياء عَلِمَ -بالضرورة أو بالنقل المعلوم- صدقها عنده، وغيره لا يعرف ذلك لا قطعًا ولا ظنًّا، وقد يكون الإنسان ذكيًّا قوي الذهن سريع الإدراك؛ فيعرف من الحق ويقطع به ما لا يتصوره غيره ولا يعرفه لا علمًا ولا ظنًّا.
¥