فالقطع والظن يكون بحسب ما وصل إلى الإنسان من الأدلة، وبحسب قدرته على الاستدلال، والناس يختلفون في هذا وهذا، فكون المسألة قطعية أو ظنية ليس هو صفة ملازمة للقول المتنازع فيه
حتى يقال: كل من خالفه قد خالف القطعي، بل هو صفة لحال الناظر المستدل المعتقد، وهذا مما يختلف فيه الناس، فعُلِم أن هذا الفرق لا يطَّرد ولا ينعكس.
ومنهم من فرق بفرق ثالث وقال: المسائل الأصولية هي
المعلومة بالعقل، فكل مسألة علمية استقل العقل بدركها فهي من مسائل الأصول التي يكفر أو يفسق مخالفها، والمسائل الفروعية هي المعلومة بالشرع، قالوا: فالأول كمسائل الصفات والقدر؛ والثاني كمسائل الشفاعة وخروج أهل الكبائر من النار.
فيقال لهم: ما ذكرتموه بالضد أولى؛ فإن الكفر والفسق أحكام شرعية، ليس ذلك من الأحكام التي يستقل بها العقل.
إلى أن قال: وحينئذ؛ فإن كان الخطأ في المسائل العقلية التي يقال: إنها أصول الدين .. كفراً، فهؤلاء السالكون هذه الطرق الباطلة في العقل المبتدعة في الشرع هم الكفار لا من خالفهم، وإن لم يكن الخطأ فيها كفراً فلا يكفَّر من خالفهم فيها، فثبت أنه ليس كافراً في حكم الله ورسوله على التقديرين،
ولكن من شأن أهل البدع أنهم يبتدعون أقوالاً يجعلونها واجبة في الدين، بل يجعلونها من الإيمان الذي لا بد منه، ويكفِّرون من خالفهم فيها
ويستحلون دمه؛ كفعل الخوارج والجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم.
وأهل السنة لا يبتدعون قولاً ولا يكفِّرون من اجتهد فأخطأ، وإن كان مخالفًا لهم مستحلاًّ لدمائهم،
كما لم تكفِّر الصحابة الخوارج مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما، واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفين لهم ([2] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=133205#_ftn2))!!
وبهذا تبين بطلان هذه الأقوال في بيان أصول الدين وفروعه فيبقى القول الذي ذكره الإمام ابن تيمية قبل ذلك هو القول الصحيح؛ وهو أن المسائل الكبيرة في الدين هي أصول الدين، وأن المسائل الصغيرة هي فروع الدين؛ سواء في القضايا العلمية التي على رأسها أمور العقيدة، أو في القضايا العملية التي يراد بها ما يحتويه علم الفقه.
وبهذا يتبين خطأ العلماء الذين أخرجوا الصلاة من أصول الدين وهي عمود الإسلام كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يكون عمود الشيء الذي لا يقوم إلا عليه فرعًا من ذلك الشيء؟!
وقال -رحمه الله تعالى- في بيان هذا الموضوع: وأيضًا فإن الله تعالى قد أخبر في غير موضع أنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها؛ كقوله: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [[البقرة:286]، ............................
..........................
وأمر بتقواه بقدر الاستطاعة
، وقد دعاه المؤمنون بقولهم:] رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ [[البقرة:286]، فقال: "قد فعلت".
فدلت هذه النصوص على أنه لا يكلف نفسًا ما تعجز عنه، خلافًا للجهمية المجبرة، ودلت على أنه لا يؤاخذ المخطئ والناسي، خلافًا للقدرية والمعتزلة.
وهذا فصل الخطاب في هذا الباب؛ فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومُفتٍ وغير ذلك .. إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع؛ كان هذا هو الذي كلفه الله إياه، وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع، ولا يعاقبه الله البتة
خلافًا للجهمية المجبرة، وهو مصيب، بمعنى: أنه مطيع لله، لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر وقد لا يعلمه، خلافًا للقدرية والمعتزلة في قولهم: كل من استفرغ وسعه علم الحق، فإن هذا باطل كما تقدم، بل كل من استفرغ وسعه استحق الثواب ([3] ( http://majles.alukah.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=133205#_ftn3))
.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية
في موضع آخر في حواره مع المخالفين في باب أسماء الله تعالى وصفاته:
ثم قلت لهم:
وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكًا، فإن المنازع قد يكون مجتهدًا مخطئًا يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته،
وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة له لا يجب
¥