ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فليبلغ الشاهد الغائب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــ تأملات في خطبة الوداع:
سبحان الله ما أجل وأروع هذه الكلمات والوصايا التي وصى بها النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام أمته حتى لا يكونوا بعده تائهين وراء غيرهم، ضائعين عن القبس الذي سيتركه بين أيديهم. وكان أول هذه الوصايا هو قوله صلى الله عليه وسلم:" أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا".
لقد كرر عليه الصلاة والسلام هذه الوصية في كثير من أحاديثه الشريفة وأكد ضرورة الاهتمام بها، فالمسلم له حرمة عند الله تبارك وتعالى لما حوى قلبه من إيمان ومعرفة بالله ورسوله، فهو عند الله تعالى أفضل من الكعبة كما أخبر النبي العظيم صلى الله عليه وسلم، بل و أفضل من العرش المجيد والجنة، لذلك لا يجوز قتله بغير حق، ولا يجوز أخذ ماله ظلما، ولا يجوز التعدي على عرضه, ولا يجوز سبه واحتقاره وخذله، يقول عليه الصلاة والسلام:"المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يكذبه، كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى ههنا ــ وأشار صلى الله عليه وسلم إلى صدره ــ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته:"ألا كل شىء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة" ففي هذه الجملة إبطال أفعال الجاهلية وما كانت تتمسك به وتفخر من أفعال خبيثة مذمومة وتقاليد عصبية وقبلية باطلة.
يقول الإمام النووي:"في هذه الجملة إبطال أفعال الجاهلية وبيوعها التي لم يتصل بها قبض، وأنه لا قصاص في قتلها".
وأما قوله صلى الله عليه وسلم:"تحت قدمي" فإشارة إلى إبطاله.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام في الربا الذي كان منتشرا في الجاهلية وهو ربا القرض وما كان ينتج عنه من مفاسد كثيرة:" أنه موضوع كله" فمعناه كما قال الإمام النووي: الزائد على رأس المال كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) [سورة البقرة ءاية 278 - 279] ومراده صلى الله عليه وسلم بالوضع الرد والإبطال.
ثم وصى النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في خطبته بالنساء خيرا وأكد في كلمات جامعة مختصرة على حقوق النساء وأهميتهن في المجتمع الإسلامي، فقال صلى الله عليه وسلم:" فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله".
ففي هذه الكلمات المختصرة حث عليه الصلاة والسلام على مرعاة حق النساء والوصية بهن ومعاشرتهن بالمعروف، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة في الوصية بهن وبيان حقوقهن والتحذير من التقصير في ذلك، منها قوله صلى الله عليه وسلم:"خيركم خيركم للنساء", وقوله عليه الصلاة والسلام: "استوصوا بالنساء خيرٌا".
ومن هنا تعلم يا أخي المسلم الفرق بين كرامة المرأة المسلمة في المجتمع الإسلامي وحقوقها الطبيعية التي ضمنتها لها شريعة الإسلام وما يهدف اليه بعضهم وخاصة هذه الأيام من استباحة الوسائل المختلفة التي تدعو إلى التمتع بالمرأة عن طريق الحرام، وجعلها ءاداة للتلهي بها والتسلي.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم:"واستحللتم فروجهن بكلمة الله" قيل: أي بإباحة الله تعالى، والكلمة هي قوله تعالى في القرءان: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) [سورة النساء ءاية 3].
وأما قوله عليه الصلاة والسلام في معرض وصيته بالنساء: "ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدٌا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربٌا غير مبرح".
قيل: المعنى المراد أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلا أجنبيا أي من غير المحارم أو أمرأة, أو أحدٌا من محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك، وهذا من حقوق الزوج على زوجته.
¥