، أو ابنُ تيمية ما حظيت بالجدود أجدادُه، فأراد أن يشرِّفَ قَدْري ويعرَّفَ نُكْري، فطلب الإجازة مني وأنا أحق بالأخذ عنه، واستدعى ذلك مني، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
فنعم، قد استخرت الله تعالى وأجزت له ما يجوز لي تسميعه وذكرت هنا شيئاً من مروياتي وأشياخي رحمهم الله وذكرت مصنفاتي.
إجازة قاصرٍ عن كلِّ شيءٍ ... يسيرُ من الرواية في مفازه
لمن ملك الفضائل واقتناها ... وجاز مدى العلى سبقاً وحازه).
[انتهى كلامه وفي بعضه بعض المبالغة والإفراط، غفر الله لنا وله].
ومن ذلك ما كتب به الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن الصائغ على استدعاء لبعض من سأله الإجازة:
أقول بعد حمد الله الذي لا يخيِّبُ من استجدى كرمَه ولا يَخِيب من استدعى نعمه، والصلاةِ على سيدنا محمد وآله وصحبه وخدمه، وما اسود مدمه (4).
أَثَرْتَ الجوى بي إذ أردت جوابي ... وعظمتَ خطبي إذ قصدت خطابي
ومن أنا في الدنيا أجيب؟! ومن أنا ... أجيز؟! مضى الأشياخ تحت تراب
عجيب لطلابٍ لديْنا تخلفوا ... وكم قد أتانا دهرُنا بعُجابِ
نحن إلى الموبلحة أمر ناي ... عربناه بالعذيب عذاب (5)
يا أخانا إن بضاعتنا في العلم مزجاة، وصناعتنا في الوقت مرجاة، ونسيم أخباره عليل، وأدب إخباره قليل، وتصانيفي وجوه أكثرها مُسْوَدَّة، وآمالي في تبييضها لقصر الهِمم ممتدة؛ سُئلتُ قديماً من بعض الفضلاء أن أعدها فكتبت فيها رسالة لا أعرف لصقل الأذهان حدها، ومنَّ الله بعد ذلك بتصانيف أخر ومقاطيع إن لم تكن كالزُّهْر فهي كالزَّهَر؛ ثم عدد نيفاً وثلاثين مصنفاً منها (مجمع الفرائد) في ست عشرة مجلدة.
ثم أنشد في آخر ذلك:
ولقد شرفت قدري ... بنفيس من هدايا
بنظام شنف السمع ... بدرٍّ كالثنايا
فارو مني وارو عني ... واغن عن شد المطايا
وانتق الفضل وحصل ... واحظ مني بمزايا
وتحر الصدق واعلمْ ... أنه خير الوصايا
أجزت لك أن تروي هذه وغيرها عني ولك الفضل في قبول ذلك مني).
وقال أبو الفضل محمد بن محمد بن محمد بن فهد الهاشمي المكي في (لحظ الألحاظ) (ص87 - ذيل التذكرة) في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن عمر الفاروثي: (ثم قال [أي الحافظ أبو الفتح محمد بن سيد الناس وقد ذكره في من لقيه من الحفاظ فيما أجاب به ابن أيبك]: (ولم يرزق في سماعه القديم حصولاً على الغرض، ولا وصولاً إلى العالي بطريق العرض، ومع ذلك فكانت عنده فوائد غريبة ومرويات من العوالي كثيرة؛ إلى أن قال: وكان في التذكير مقدما وبالمواعظ الحسنة معلما، تنسلي إليه معاني الأدب، في مواعظه وغيرها من كل حدب، سجية عراقية تمازج النسيم، وتعطر أسحارها من أشجارها على كل شميم، يرتجلها كيف يشاء، ولا يؤجل الأشياء؛ ناولته يوماً استدعاء إجازة ليكتب عليه، فكتب مرتجلا:
أجزت لهم رواية كل شي ** سماعاً كان لي أو مستجازا
وما نوولته أيضاً إذا ما ** توخوا في روايته اجتزازا
وما قد قلته نظماً ونثراً ** فقد أضحى الجميع لهم مجازا).
تم، بحمد الله وتوفيقه
ــــــــــــ
1 - راجعت (تاج العروس) مادة (د ع و) (38/ 46 وما بعدها) فلم أجده ذكر لفظة الاستدعاء، والظاهر أنها على شرط كتابه لا باعتبارها كلمة مزيدة ولكن باعتبارها كلمة اصطلاحية مشتهرة بين المتأخرين.
2 - وهو ابن شيخ السيوطي الحافظ تقي الدين أبي الفضل بن فهد.
3 - بياض بالأصول، ولعله (ولا ابن نباتة).
4 - ذكر المحققون أنهم لم يهتدوا إلى صواب هذه العبارة.
5 - كذا ورد هذا البيت في المطبوع، وذكر المحققون أنهم لم يهتدوا إلى تحقيقه.
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[26 - 12 - 07, 06:03 م]ـ
جزاكم الله خيرا على البحث القيم
ـ[خليل الفائدة]ــــــــ[26 - 12 - 07, 06:51 م]ـ
جزاكم اللهُ خيراً شيخنا الفاضلَ محمداً ..
ـ[عماد الجيزى]ــــــــ[26 - 12 - 07, 09:21 م]ـ
بحثٌ طيبٌ ..
ـ[رقاء الحديث]ــــــــ[27 - 12 - 07, 03:30 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
شكر الله لكم فضيلة الشيخ،
أفدتم وأجدتم وشفيتم
بارك الله فيكم ونفع بكم وتقبل منك .. آمين
ـ[الخبوبي]ــــــــ[27 - 12 - 07, 08:31 م]ـ
جزاكم الله خيرا ..
الاستدعاء أعم من المكاتبة من جهة أنه صادر من طرفين.
أليس كذلك؟
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[28 - 12 - 07, 05:58 م]ـ
جزاكم الله خيراً، وأحسن إليكم.
جزاكم الله خيرا ..
الاستدعاء أعم من المكاتبة من جهة أنه صادر من طرفين.
أليس كذلك؟
لا يخفى أن الاستدعاء المجرد يكون من جانب واحد فقط، هو المستدعِي؛ ولكن إذا أردت بالاستدعاء (تجوزاً) الاستدعاء وإجابته فهو في هذه الحال يكون من جانبين المستدعي والمجيز.
وأما المكاتبة فمعناها معروف، وهي في نفسها من طرف واحد، هو الشيخ، والأصل في المكاتبة أنها كتابة أحاديث لا كتابة إجازة، ولكن وقع كثير من المتأخرين في تدليس المكاتبة وهو تدليس الإجازة، فيقول أحدهم مثلاً: أخبرني زيد مكاتبة، أو أخبرني زيد فيما كتب إلي، ثم يسوق حديثاً لم يكتب به إليه، لأنه إنما كتب إليه بالإجازة فقط، وهي متضمنة لذلك الحديث.
ولعل الأقرب استبدال كلمة (اخص) بكلمة (أعم)، والله أعلم.
¥