تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان في منتهى الذكاء واللباقة, شجاعاً في الحق صبوراً على الأذى في سبيل الله، حكيماً في أحاديثه أديباً في مجلسه، لطيفاً في أسلوبه، سهلاً في تعليمه ومعاملته، مشجعاً للمجدين من طلابه في ألفاظ يرسلها كأنها سهام تنفذ إلى القلوب، يؤدب في شفقة وبشاشة وإيناس، ضليعاً في علم الحديث ومصطلحه, داعية لطلابه إلى اعتناق منهج الانطلاق الفكري في البحوث المقيدة بميزان الشريعة.

رجاعاً إلى الحق، مثيراً طلابه على ملازمة الطاعة والعبادة، عزيزاً في نفسه، ويغرس بذور العزة والكرامة في نفوسهم.

وأذكر أنه كان يسألهم تارة بمناسبة أيام الخميس والاثنين عمن صامهما تطوعاً، وعمن قام شيئاً من الليل غير الفريضة, فإذا أجابوا بالنفي ندب حال طلاب العلم في هذا الزمان.

أما جوده وكرمه وطيبته وحسن طويته، وحبه إسداء الخير للمحتاج فحدث عن ذلك ولا حرج.

وقبل أن أنهي الكلام على ما يتعلق بصفاته وأخلاقه أقرأ على مسامعكم هذه النماذج باختصار:

1 – وافق أنني تخلفت عن حج عام 1367 هـ ولما كان يوم عيد الأضحى رأيت أن أتناول طعام الغداء في منزل الشيخ، ووافق أنّ كثيراً من الطلاب ذهبوا للحج، فدخلت عليه والطعام بين يديه, ومعه أولاده, وعندما ألقيت السلام رفع رأسه وقال من غير تأمل أو تفكير: "الحمد لله الذي لم يُرني اليوم الذي آكل فيه وحدي ومع أولادي فقط" ..

2 – جاء في نظام أعمال دار الحديث التي وضعها دليلاً لدار الحديث بعد أن آل أمر نظارة مكتبتها وإدارة مدرستها إليه، وفي الفقرة (خ) وقع في خارطة البناء شقة للناظر أعلن من يومي هذا وأنا الناظر حالياً أنني متنازل عن سكناها لتسكنها أسرة الشيخ أحمد الدهلوي المؤسس، وأطلب ممن تولى النظارة بعدي من أبنائي وأحبابي أن يدعوا سكناها للمذكورين ما دام شرط النظارة لا ينطبق عليهم.

3 – شج رجل فقير معاند مخالف للشيخ في العقيدة رأس ابن الشيخ انتقاما من أبيه, وقامت السلطات بسجن الجاني, فحاول الشيخ أن يشفع في فك سراحه فلم يفلح، ولما كان آل الرجل محتاجين إلى من يعولهم أمرني رحمه الله بالإنفاق عليهم إلى أن يطلق سراح عائلهم، ولما علم الرجل ذلك رجع إلى نفسه، وثاب إلى رشده وكان سبباً لقبوله الحق.

أردت أن أضع هذه النماذج الثلاثة أمام السامع من غير تعليق عليها خشية أن أطيل فيكون الملل.

ولقد اشتغل منذ عام 1360هـ بالتدريس في المسجد النبوي وبمدرسة دار الحديث المدنية إلى عام 1364هـ حيث انتدب للوعظ والإرشاد بمدينة ينبع النخل، وعاد منها في عامه بعد أن أمضى فيها ثمانية شهور أسس خلالها قواعد متينة، وأشاد بنياناً راسخاً في العقيدة هناك. وأزال كثيراً من البدع والمنكرات، باللطف والحكمة والموعظة الحسنة. وربض في دار الحديث ليثبت أركانها، ويدعم بنيانها، ويعمر جوانبها بالعلم النبوي.

وأشهد بالله تعالى أنه كان يجلس للتدريس من الساعة الثانية صباحاً على وجه التقريب، إلى أذان الظهر جلسة واحدة لا يتخللها كلل ولا ملل, ثم يعود بعد صلاة الظهر ليعقد درساً لبعض الطلاب الذين يشغلهم الضرب في الأسواق صباحاً، وبعد صلاة العصر يرتاد بيته طلاب آخرون للتحصيل والتعلم، وبعد صلاة المغرب وصلاة العشاء يقوم بالدرس العام بالمسجد النبوي, وكانت حلقته تجمع الخليط من الطبقات الصغار والكبار، والمتفرغين لطلب العلم، والراغبين في الانتفاع من العوام وكان الجميع يكرعون وينهلون ويردون ويصدرون، لأن الله حبى الشيخ شفافية النفس، وعظيم الإخلاص، والخلق وسهولة الأسلوب، مع قوة الاقناع فاستفاد منه الكثيرون من المقيمين والحجاج.

أما دار الحديث فقد أخصبت وأفرغت وأربعت ثم ازهرت وأينعت إبان قيامه بإدارتها والتدريس فيها. وصدق عليها ما قال القائل عن دار الحديث النووية بالشام:

وفي دار الحديث لطيف معنى ..

وتخرج منها طلاب انتشروا في العديد من البلاد، وأصبحوا قادة في الفكر والعلم ودعاة إلى الحق, وهداة إلى سبيل الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير