وفي أواخر عام 1370هـ اختاره جلالة الملك عبد العزيز ليكون ضمن المدرسين في المعهد العلمي بالرياض، ثم بكلية الشريعة فكان يمكث بالرياض مدة الدراسة ويقضي عطلة الصيف بالمدينة المنورة ليشرف على أعمال دار الحديث، ويواصل تدريسه بالمسجد النبوي الذي كان يتمنى أن يكون بجوار معظم سواريه طلاب يعقلون عن الله، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقومون بتبليغ رسالة الله.
هذه صورة مبسطة من حياة رجل عالم جليل أدى ما عليه. وهكذا تصنع الرجال الأمجاد وكأنما يريدون أن يعالجوا الزمن بنفوسها الكبيرة، وهممها العالية والله من وراء القصد.
مؤلفاته:
هذا ولما كان التأليف صنوا للتدريس والتبليغ في مجالات الإصلاح فقد قام الشيخ رحمه الله بتأليف بعض من الكتب النافعة, أرى أن أوجز ما تضمنته فيما يلي:
1 - من اتصاله بالكثير من الحجاج الأفارقة تأكد أن الطريقة التيجانية المنسوبة إلى الشيخ أحمد التيجاني قد انتشرت في تلك البلاد، وتضاربت أقوال الناس فيها، وعمت بلاد أفريقيا موجة من الاختلاف في شأن هذه الطريقة، وفشا بين العامة منهم أن من لم يعتنق الطريقة التيجانية فليس من الإسلام في شيء.
وكان منزل الشيح رحمه الله منتدى يجتمع فيه الحجاج من غالب البلاد التي يحتلها الفرنسيون قبل أن يقسم إلى جمهوريات متعددة، ويقصده المثقفون منهم بالذات، لأنه يجيد اللغة الفرنسية، ويشرح لهم بواسطتها ما يحتاجون إليه من أمور دينهم. وكثيراً ما كان يدور النقاش والاستفسار عنها. فعكف رحمه الله على دراسة كتبها، والوقوف على حقيقة ما فيها من مراجعها وأصولها. وخلص من ذلك إلى تأليف رسالته التي بارك الله فيها - كانت سبباً لوعي الكثير من الناس لسهولة أسلوبها وخلوص نية صاحبها، والتركيز على نقاط حساسة هامة جعلت العامة تقف على بعض المعتقدات التي لا يعرفها إلا الخاصة من أهل الطريقة - أسماها (الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة النجاتية).
وقبل أن أوجز الكلام عن فصول الرسالة يناسب التعريف بالشيخ أحمد التيجاني الذي نسبت إليه هذه الطريقة، وببعض مصادرها. فهو أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد بن سالم الشريف التيجاني, ولد عام خمسين ومائة ألف من الهجرة. بعين ماضي, ونشأ بها، وارتحل لفاس علم إحدى وسبعين ومائة وألف وتوفي بها عام 1230هـ.
قال الشيخ محمد الحافظ التجاني المصري المعاصر في ترجمة له للشيخ:
"وما زال رضي الله عنه منذ تولى رسول الله تربيته بالروح يسمو ويرقى حتى بلغ مقام القطبانية العظمى، ثم وصل إلى مقام الولاية المعروف عند الأولياء بالخيمة عام أربعة عشر في القرن الثالث عشر"اهـ.
ومن أشهر ما ألف من الكتب في هذه الطرقة هو كتاب جواهر المعاني للشيخ علي حرازم، وكتاب الرماح للشيخ عمر الفوني، وكتاب الإفادة الأحمدية لمريد السعادة الأبدية، للشيخ محمد الطيب الشهير بالسفياني والمتوفى عام 1259هـ وهو من خاصة الخاصة من أصحاب الشيخ أحمد التجاني.
وبمناسبة ذكر كتاب الإفادة وهو كتاب لا تزيد صفحاته عن 84 صفحة أورد لك نبذة مما جاء فيه: قال الشيخ السفياني في مقدمة الكتاب .. وبعد.
فأول ما يعتني به بعد كلام مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام المشايخ رضي الله عنهم إذ هم خلفاؤه المغترفون من فيض بحره، ونوابه المقتطفون من أزهار حدائق سره، وأولى ذلك عندي جمع كلام شيخ الشيوخ، ومعدن الثبات والرسوخ، قطب الأمة المحمدية، وخليفته عن الرحمة الربانية أبي العباس مولانا أحمد بن محمد التجاني إلى أن قال:
"ولقد تلقيت جله مشافهة منه، والباقي ممن أثق به، وأروي عنه، وحملني على تقييده، خوف الدرس والضياع لينفع الله به من أراد"ا. هـ.
وإليك بعض النماذج مما في الإفادة الأحمدية المطبوعة بالمطبعة الخيرية عام 1350 هـ بتعليق الشيخ محمد الحافظ التجاني الذي سبقت الإشارة إليه لتحكم على ذلك بما أراك الله فإن في صفحة (7):
"أقول لهم كما قيل في علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو قسم ([2]) النار من أحبنا يقال له أدخله الجنة، ومن أبغضنا ومات دخل النار" ..
"أكابر أقطاب هذه الأمة لا يدركون مراتب أصحابي، أعطانا ذلك رغماً عن أنوفكم" صفحة (10).
"أصحابي ليسوا مع الناس في الموقف بل هم مكتنفون في ظل العرش" صفحة (15).
¥