ومساء ذلك اليوم استأنفنا السير إلى بيروت فأمر كذلك أن أكون في سيارته إلى جانبه، وكان نزولنا فيها في منزل ذي الصدر الرَّحْب والفضل الجم الشيخ محمد العربي المغربي نزيل بيروت وهو فاسي الأصل، ومن تلاميذ السيد المومأ إليه، ومن المتصدِّرين في بيروت للإفادة ونشر العلم.
وهناك أطلعني سيدي الشيخ على ما ابتاعه من المخطوطات النادرة من مصر والحجاز، وما أُخذ له من الكتب النفيسة بالمصور الشمسي (الفوتوغراف) ومن جملتها كتاب للحافظ السخاوي في ثلاثة مجلدات فيه ترجمة شيخه الحافظ ابن حجر ومشيخته لا غير، وهو كتاب جليل غزير الفوائد جامع لطرف كثيرة.
وكتاب المجمع المؤسس للعجم المفهرس للحافظ ابن حجر فأفدته أن نسخة نفيسة من هذا في مكتبة الأحمدية بحلب فسُرَّ لذلك جداً كما سُرَّ لإفادتي له عن مخطوطات نادرة هي موجودة في مكاتب الشهباء المبعثرة.
وهنا تجلى لي شغفه العظيم بالكتب وغرامه فيها وسعيه الحثيث لاقتناء النفائس منها بالاستنساخ والابتياع.
وفي يوم السبت في الثامن من ربيع الأول ودَّعتُ سيدي الأستاذ على ظهر الباخرة، وكان فراقه عليَّ عظيماً بحيث أني أرسلت الدمع ذلك اليوم عدة مرات، وتلك حالة لم تعهد مني في أحد قبل ذلك، ومنها علمت أن الشيخ قد يعشق ويتصابى، وأنشدته ذلك اليوم في الفراق:
لو أن مالكَ عالمٌ بذوي الهَوَى
ومحلِّه مِنْ أضلعِ العشَّاقِ
ما عذَّب العشَّاق إلا بالهوى
وَإنِ استغاثوا أغاثهم بِفرِاقِ
ولما انتهيت من إنشادهما قال: لا. قل: (بتلاق بتلاق).
ثم أنشدته أيضا وهو مما لم يخطر مني على بال منذ عشرين عاماً:
أرى آثارهم فأذوبُ شوقاً
وأسكبُ في مواطنهم دُموعي
وأسأل مَنْ بفرقتهم بلاني
يَمُنُّ عليَّ منهم بالرجوعِ
فرقَّ لذلك رقة عظيمة ظهر أثرها على مُحيَّاه، وأكد الوعد بزيارة الشهباء عاصمة الحمدانيين، وبلدة جدته العليا فإنها حلبية الأصل، لأنها بنت الشيخ أحمد عبدالحي الشافعي، وهذا ممن هاجر من قرنين إلى فاس وتوطَّنها، وزوَّج بنته من بعض أجداد هذا السيد، وهو وكثير من العائلة الكتانية من نسل هذه السيدة الحلبية، ولأبيها هذا ترجمة حافلة في تاريخي (إعلام النبلاء) في الجزء السادس منه.
هذه بعض مزايا هذا الأستاذ الكبير حافظ السنة النبوية والعالم بها رواية ودراية، والعارف بتاريخ الأمة الإسلامية قديمه وحديثه، والواقف على فلسفة تاريخها إلى معرفته بالأحوال الحاضرة وتقلُّبات الأمور في هذه الأزمنة في المشرق والمغرب.
وتلك بعض نعوته الكريمة أحببت أن أُتحف بها أبناء وطني وغيرهم ليقف عليها من لم يسمع بهذا المحدِّث الكبير، وأرجو الله أن لا تحرم الشهباء من رؤيته والتمتع بحُسْن طلعته والاقتباس من فوائده في شهر رجب المقبل كما وعد بذلك وإنَّ (رجب) لناظره قريب.
محمد راغب الطباخ
وبعد، فهذه هي المقالة بتمامها التي كبتها العلامة الطباخ عن لقائه بالسيد الكتاني، وترقب قدومه لزيارته في مدينة حلب في العام التالي، ولكن للأسف الشديد لم يتيسر لهما اللقاء بعد اللقاء المتقدِّم، ولم يتحقق الوعد من السيد محمد عبد الحي لظروف متعددة، فقد توفي الشيخ راغب الطباخ في الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 1370 هـ، ثم بعد ذلك توفي السيد محمد عبد الحي الكتاني في التاسع والعشرين من جمادى الأخرى سنة 1382 هـ، جمعنا الله تعالى بهم في جنات النعيم.
محمد بن عبد الله آل رشيد
نقلاً عن موقع جريدة ’ الجزيرة ‘ ـ السعودية
ـ[عبدالعزيزبن علال الحسني]ــــــــ[04 - 03 - 08, 09:52 م]ـ
حمد الله أروي باالإجازة عن نجله بقية السلف وعمدة الخلف الشريف السيد المعمر المسند العلامة عبد الرحمان الكتاني الحسني الإدريسي الفاسي عن والده العلامة الجليل المسند المحدث السيد الشريف محمد عبد الحي الكتاني الحسني رحمه الله تعالى
وأروي أيضا بالإجازة عن شيخنا السيد الشريف فاتح الكتاني وشيقيقه السيد الشريف تاج الدين الكتاني الدمشقي عن والدهما العلامة السيد الشريف محمد مكي الكتاني الفاسي الدمشقي رحمه الله تعالى ولله الحمد