تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

البخاري. وهم يعنون بهذا على وجه من الوجوه التعريف بشخص ما زمنياً وعقلياً من خلال مقارنته بعالم مختار ليكون النموذج في تلك المقارنة.

وإنه لمن الممكن أيضاً أن ينتمي الشخص إلى جيلين، كما هي حال أنس بن مالك؛ الذي كان طفلاً في زمن الصحابة، ثم أصبح بالغاً في عصر التابعين (32). ولكن بأي معنى استخدم مؤلفو كتب الطبقات أنفسهم مصطلح "طبقات"؟ هنا ينبغي أن يجري التمييز تمييزاً واضحاً بين المؤلفين في مجال الحديث، والمؤلفين في المجالات الأخرى.

المفهوم الأول مرتبط ارتباطاً مباشراً بالحديث، وهذا ما يجعله نوعياً مفهوماً دينياً. ولكن كان يعتريه فرقان مهمان كل الأهمية نابعان من اختلاف مؤلفي الطبقات في اعتماد الترتيب الزمني أو الهجائي.

إن مصطلح "طبقات" في معناه المفهومي الأول يرمي إلى تحديد الجيل، ومن هنا جاءت الأهمية التي اكتسبها الترتيب الزمني. وتعبر الكلمة أيضاً عن فكرة استمرارية سلسلة الإسناد. وإن قيمة الإسناد مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعدم وجود انقطاع فيه. إذاً، يتعلق الأمر تعلقاً وثيقاً بالتتابع غير المنقطع للأجيال الذين كانوا شهوداً على التجربة الروحية الإسلامية التي عاشها المسلمون منذ العصور الأولى، والتي امتدت عبر القرون التالية. ولكن مصطلح "طبقات" يدل في الوقت نفسه أيضاً على فكرة الدرجات.

وستشهد الدلالة التقليدية تحولاً جوهرياً في لحظة المرور من الترتيب الزمني إلى الترتيب الهجائي. وإن مثل هذا التصنيف لا علاقة له ألبتة بالترتيب الذي يعتمد على فكرة الأجيال. لقد حدث هنا قطع حقيقي. ولعل ما هو جدير بالملاحظة هو أن ذلك القطع حدث عند علماء الحديث أنفسهم. والحال أن التطور لم يقف عند هذا الحد، وسواء كان الترتيب زمنياً أو هجائياً فإنه كان يعتمد على معيار ديني. وسنشهد قريباً تراجعاً في المفهوم القديم.

ونجد عدداً من المؤلفات التي تنتمي إلى هذا الضرب من التأليف، ولكنها تحمل عنواناً مختلفاً. نشير على وجه الخصوص إلى أكثر تلك العناوين وروداً: تراجم. ونجد لدى حاجي خليفة (المتوفى سنة 1067هـ/1657م) أن مصطلح "طبقات" يضم بين طياته كتب الطبقات الأصلية، وكتب التراجم من كل الأنواع.

إن الوصف المختصر لمصطلح طبقة يسمح بالخلوص إلى القول: إن الجذر ط. ب.ق. أثبت تماسكه، فصمدت كلمة طبقة، ولكن دلالتها تعرضت لتحولات مذهلة كانت على قدر التطور الذي حدث في هذا النوع من التأليف. وقد يكون المؤلفون تبنوا هذه الكلمة التي كانت في الأصل تتمتع بمكانة دينية عالية ليحموا أنفسهم من التعرض للنقد، ولكي لا يجدوا أنفسهم وقد لبستهم سمة الابتداع.

وإنه لمن العبث في واقع الأمر أن نفصل مصطلح "طبقة" عن الوسط الذي اسْتُخدم فيه إبان قرون متعاقبة. وهناك ملاحظة غريبة يمكن تلمسها عند الفقهاء، السنة والشيعة والمعتزلة؛ وهي أنهم جميعاً سموا مؤلفاتهم: طبقات.

ب ـ المذهب المالكي:

كانت المدينة المنورة قاعدة الانطلاق للمذهب المالكي نسبة إلى مالك بن أنس رحمه الله ورضي عنه، المتوفى سنة 179هـ/795م، ثم انتشر بعد ذلك في جهات مختلفة من الحجاز، ثم دخل مصر، البلد الأول الذي احتضنه بعد المدينة المنورة، وانتقل إلى العراق، ودخل خراسان، وفشا بقزوين وما والاها من بلاد الجبل. ودخل بلاد فارس والشام، ثم دخل إفريقية، وما وراءها من بلاد المغرب والأندلس (33). وقال المقري: "اعلم أن أهل الأندلس كانوا في القديم على مذهب الأوزاعي، وأهل الشام منذ أول الفتح، ففي دولة الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، وهو ثالث الولاة بالأندلس من الأمويين، انتقلت الفتوى إلى رأي مالك بن أنس وأهل المدينة، فانتشر علم مالك ورأيه بقرطبة والأندلس جميعاً بل والمغرب، وذلك برأي الحكم واختياره" (34). وقد شاء الله لهذا المذهب أن ينتشر في ثغر من ثغور الإسلام، وأن يترك فيه تراثاً يعد ثروة علمية هائلة في أصول الدين وفروعه. وكم نحن اليوم بحاجة إلى بعث ذلك التراث بإجراء بحوث تعنى بالتكوين العلمي الصحيح، القائم على الكتاب والسنة، والذي يأخذ في الاعتبار السياق التاريخي، والمنظومة الفكرية التي يقوم عليها هذا المذهب وغيره من مذاهب أهل السنة والجماعة. وقد ولج علماء المالكية باب الاجتهاد من أوسع أبوابه، واضعين نصب أعينهم الأسس المتينة التي أرسى الإمام مالك t مذهبه عليها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير