وقد اقتصر المؤلف رحمه الله في كتابه على ذكر القسم الصريح ولم يتعرض لغير الصريح، وكان يركز على الناحية الشرعية في القسم وإثبات المقسم عليه مع شيء من الاستطرادات المفيدة والطويلة أحياناً كما عند قوله تعالى (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) وإن كانت هذه الاستطرادات خارجة عن مقصود الكتاب.
المبحث الثاني: توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف:
هذا الكتاب ثابتة نسبته إلى ابن القيم بلا أدنى شك وذلك للأمور التالية:
أولاً: نسب هذا الكتاب إلى نفسه ابن القيم فقد أشار رحمه الله تعالى إلى أنه ألف كتاباً في أقسام القرآن، بل وأشار إلى بعض ما كتبه فيه كما تقدم عند الحديث عن تسمية الكتاب.
ثانياً: أغلب من ترجم للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى يذكر هذا الكتاب من ضمن مؤلفاته وهذا يدل دلالة واضحة على شهرة الكتاب وصحة نسبته إليه.
ثالثاً: نقل بعض العلماء منه.
وممن وقفت عليه ممن نقل عن ابن القيم رحمه الله: الإمام السيوطي في كتابه الجامع المانع: الإتقان في علوم القرآن في النوع السابع والستون (في أقسام القرآن)
حيث ذكر في البداية أن لابن القيم كتاباً أفرده بالتصنيف في هذا الموضوع وأنه في مجلد.
ثم بعد ذلك نقل منه عدة نقولات، وبالمقارنة بين ما نقله وبين الكتاب الأصل نجد التطابق وانظر الاتقان (4/ 46 - 51).
المبحث الثالث: منهج المؤلف في كتابه
لا شك أن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى قد أبدع وأجاد في هذا الكتاب، وليس هذا الأمر بمستغرب عليه؛ فهو جبل راسخ من جبال العلم.
وعند قراءتي للكتاب استطعت أن أخلص إلى بعض النقاط التي تدل على ملامح منهجه الذي سلكه في كتابه:
أولاً: سلك المؤلف رحمه الله تعالى المسلك الاستقرائي للآيات التي ورد فيها القسم وأعطى خلاصة مفيدة عن القسم في القرآن.
فبين أن الله سبحانه يقسم بأمور على أمور؛ فهو سبحانه يقسم بذاته الموصوفة بصفاته العلية، وبآياته الدالة على قدرته العظيمة. وإقسامه ببعض مخلوقاته يدل على أنها من عظيم آياته.
ثم بين المقسم عليه.
وهو:
أ ـ قسمه على أصول الإيمان.
ب ـ قسمه على التوحيد.
ج ـ قسمه على أن القرآن حق.
د ـ قسمه على أن الرسول حق.
هـ ـ قسمه على الجزاء والوعد والوعيد.
و ـ قسمه على حال الإنسان.
ثم تحدث عن جواب القسم وأنه قد يذكر تارة، وأنه يحذف تارة أخرى؛ لأنه قد علم بأنه يقسم على هذه الأمور (التوحيد والنبوة والمعاد).
ثانياً: ذكر الآيات التي ورد فيها القسم على سبيل الاختصار، مع بيان المقسم والمقسم عليه وجواب القسم إن كان مذكوراً أو محذوفاً.
ثالثاً: التفصيل بعد الإجمال حيث ذكر كل آية ورد فيها القسم، و فسَّر هذه الآيات، وذكر أقوال السلف فيها، ورجح غالباً المعنى المراد من الآية.
رابعاً: الاستطراد في ذكر بعض الفوائد المتعلقة بالآيات، حتى إنه أفرد للاستطراد فصلاً وبين معناه وذكر أنواعه.
ولعله رحمه الله قد أظهر في هذا الاستطراد الشخصية العلمية العارفة بكثير من الفنون والعلوم ويظهر ذلك جلياً في حديثه عن قوله تعالى (وفي أنفسكم أفلا تبصرون).
خامساً: كثرة الاستشهادات التي استشهد بها المؤلف على كثير من كلامه وهذه الإستشهادات:
إما بالآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية والتي تدل على علم واسع بالقرآن والسنة
وإما بكلام السلف وهو كثيراً ما ينقل عنهم معاني الآيات والمراد بها.
وإما بكلام أهل اللغة، وأهل الشعر لأن العربية هي لغة القرآن.
سادساً: النقد والتمحيص لما يذكره من أقوال، وبيان الصحيح من الضعيف، سواء كان في الكلام على الأحاديث والآثار المروية عن السلف، أو في بعض اعتراضاته على أهل اللغة والعربية، أو في كلامه في الأمور الطبية وعلم الأجسام وعلم النفس.
المبحث الرابع: أهمية الكتاب:
نزل القرآن الكريم بلغة العرب كما أخبر بذلك منزله سبحانه وتعالى بقوله: ? وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ? [سورة الشعراء الآيات (192 - 195)].
والعرب اتخذت أساليب في كلامها لأغراض وحكم عبروا عنها في أقوالهم النثرية منها والشعرية.
¥