تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إلى أن قال {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ "} (14)،

فلو كان سيئ الخلق ما استمعا لكل هذا وهما ينتظران الجواب على سؤالهما. فهذه رسالة لنا جميعا كي نتأسى بالأنبياء في مثل هذه المواقف.

وهذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عندما دخل مكة فاتحا ودخل المسجد أتى أبو بكر بأبيه يقوده، فلما رآه رسول الله قال:

هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟ قال أبو بكر، يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت، قال قلت: فأجلسه بين يديه ثم مسح صدرَه، ثم قال له أسلم، ْ فأسلمَ ... القصة (15).

وهو النبي الذي يُؤتَى، أراد أن يقوم ويأتي رجلا كافرا حينئذ لطعنه في السن،

ويعلم أمته محاسن الأخلاق من تواضع ولين وخفض للجناح، وكيف لا وهو الذي بعث متمِّما للأخلاق.

ولقد توفي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين، سبحان الله!

رهنه عند يهودي وفي أمته من الأغنياء أمثال عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم الذين يفدون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بأرواحهم قبل أموالهم،

وما ذاك إلا إشارة وتنبيه على لزوم استمرار أمته في حفظ العهود والمواثيق لغير المسلمين، ومعاملتهم بالحسنى، بعد موته،

وزيارة النبي للغلام اليهودي في مرضه لخير دليل على سنته في ذلك.

- يقول الإمام القرافي (16) وهو يشرح معنى البر بالكافرين:

(الرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم وإطعام جائعهم وإكساء عاريهم ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفا منا بهم لا خوفا وتعظيما، والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم وإيصالهم لجميع حقوقهم وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله، ومن العدو أن يفعله مع عدوه فإن ذلك من مكارم الأخلاق، فجميع ما نفعله معهم من ذلك ينبغي أن يكون من هذا القبيل لا على وجه العزة والجلالة منا، ولا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم) اهـ

هذه كلمات ربانية من عالم رباني تسفر عن مدى العمق في فهم الإسلام وسماحته،

بل وقد قال ذلك في أيام العز والتمكين حيث كان الكافر يعيش تحت أحضاننا،

ولم نكن بحاجة إلى محاباتهم ولا إلى مداراتهم، فكيف بنا ونحن مستضعفون في بلادهم وتحت إمرتهم.

فطوبى لمن وفقه الله لفقه هذا الدين، فمن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.

- يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين (17) رحمه الله:

(ثم إن المسلمين لم يفتحوا البلدان إلا بعد أن فتحوا القلوب أولاً بالدعوة إلى الإسلام، وبيان محاسنه بالقول وبالفعل، وليس كزمننا اليوم نبيّن محاسن الإسلام بالقول إن بيّناه، أما بالفعل فنسأل الله أن يوفق المسلمين للقيام بالإسلام، فإذا رأى الإنسان الأجنبي البلاد الإسلامية، ورأى ما عليه بعض المسلمين من الأخلاق التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، من شيوع الكذب فيهم، وكثرة الغش، وتفشي الظلم والجور استغرب ذلك، ويقول: أين الإسلام؟.) اهـ

يتبع .....


(8) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: 22/ 155، وابن سعد في طبقاته: 1/ 424، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 154)، وابن حبان في االثقات (2/ 149،150).
(9) البخاري (فتح الباري 6/ 702) كتاب المناقب، باب صفت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ومسلم (شرح النووي 15/ 63) كتاب الفضائل، باب كثرة حيائه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(10) مسلم (شرح النووي 15/ 90) باب تفسير البر والإثم، عن النواس بن سمعان.
(11) مدارج السالكين (2/ 307)
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير