فألئك ضوّعوا العلم .. وبعض هؤلاء ضيّعوه .. وإن كان قد يلتمس العذر لبعضهم .... ومن باب الترف هذا .. أن يجرد أحد علماء النحو وقته لإعراب ألفية ابن مالك!
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[22 - 12 - 06, 10:05 م]ـ
-"لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين"آل عمران
-"هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين"الجمعة-2
-"كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون"البقرة 151
-"ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم"129البقرة
وههنا هنا ملحوظات .. وبإزائها تعليقات
-يلاحظ من تدبر هذه الآيات .. أن الله سبحانه وتعالى قدم التزكية على تعليم الكتاب والحكمة .. ما خلا آية .. فتقدم تعليم الكتاب والحكمة على التزكية ..
والسر في ذلك .. أن الآية التي تقذّم فيها ذكر التعليم على التزكية .. هي حكاية على لسان الخليل عليه السلام .. والمقام مقام دعاء .. والأليق بالدعاء أن يقدّم العلم .. كما علم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم"وقل رب زدني علما" .. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لابن عباس فقال"اللهم فقهه في الدين" .. وفي لفظ"وعلمه التأويل"
وأنه دعا لمعاوية فقال"اللهم علمه الكتاب" .. لأن الدعاء بذكر السبب غالبا ما يكون أصدق من الدعاء بالغاية ..
فهناك من يقول: اللهم أدخلني الجنة .. وثم من يقول: ارزقني الشهادة في سبيلك .. فالأول قد لا يلتفت للعمل .. والثاني لحظ معنى ثمن الجنة .. وأنها محفوفة بالمكاره .. فإبراهيم عليه السلام .. قد قدم علم الكتاب على التزكية .. باعتبار أن الاستنارة بالوحي .. سبب لتزكية النفس ورفعتها فهو عليه الصلاة والسلام لحظ هذا المعنى وفيه قوله تعالى"وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين" .. وحرف الخفض"من" للجنس وليست للتبعيض قطعا .. وكذلك قوله سبحانه"ألا بذكر الله تطمئن القلوب" .. والقرآن خير الذكر .... والنفس المطمئنة .. نفس زكيّة
أما في الآيات الثلاث الأخر .. فهي من كلام الله ابتداء .. وهي في مقام الامتنان .. فناسب كرمه سبحانه أن يقدم الغاية التي أرادها إبراهيم ..
وهي التزكية .. بمنزلة من سأل الله شيئا .. فأعطاه الله خيرا مما سأل ..
وأيضا .. فإن تزكية النفس وتهذيبها بالإيمان ومكارم الأخلاق وأدب الطلب .. يجب أن يتقدم على العلم البحت
ويدل عليه .. ما ورد عن ابن مسعود .. وابن عمر .. من تعلم الإيمان قبل القرآن
وكذلك ما نقل عن غير واحد من السلف كسفيان الثوري "تعلمنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله" ..
فلو أنه تزكى في البدء .. لما قال ذلك .. لكنّ الله تكرّم عليه ولطف به .. فصرف توجهه إليه .. وزكى قلبه بحرصه على العلم
والحاصل أن العلم سبب لرفعة النفس في مقام التزكية .. والاهتمام بتزكية النفس عن الرزايا .. شرط للعلم الذي ينفع صاحبه .. فالنسبة بينهما مطردة
-كل الآيات اشتركت في البداءة بذكر وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنها تلاوة الآيات
لأن هذا هو الأصل ولكن بشرط الفهم والتدبر والعمل .. كما نقل عن عبد الرحمن السلمي"حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزهن حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل .. قال فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا"
فيجب على طالب العلم دونما أدنى ريب .. أن يقدم حفظ الكتاب .. وتدبره .. وفهمه ما استشكل عليه .. ولو بتفسير صغير الحجم ..
ثم يشرع بعد ذلك في التوسع في المتون وغيرها .. مع الأخذ بحظ وافر من القرآن .. لأن الله قدم الكتاب على الحكمة .. التي هي السنة .. وكما قال الشافعي"كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهه من القرآن مستدلا بقول الله"وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم"
-ثلاث آيات منهن اختتمت ببيان حال الأمة قبل البعثة من التيه والانحراف لمناسبة ذلك في معرض الامتنان (ثنتان منها نصت على الضلال المبين .. وواحدة أشارت إلى تفسير هذا الضلال وأنه الجهل السابق بقوله تعالى"ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون") .. وآية اختتمت بالثناء على الله تعالى وذكر اسمين من أسمائه الحسنى "العزيز الحكيم" .. لأن مقام الدعاء يلائمه الثناء ..
وأما اختصاص ذكر هذين الاسمين ههنا .. فهو أدب الأنبياء .. فنبّه على العزة .. لأن هداية الضلّال .. لا ينفع الله بشيء .. كما أن معصيتهم .. لا تضره .. وثنى بذكر اسم الله "الحكيم" .. لأن إرسال الرسل بالكتب المشتملة على الحجة البالغة والرحمة الهادية .. هو من لازم حكمة الله تعالى .. وهذا نظير قول عيسى عليه السلام"إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[22 - 12 - 06, 10:06 م]ـ
"وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون"
من ثمار العلم الصحيح .. أن يعقل أهل العلم الأمثال التي يضربها الله عز وجل ..
ويضربها نبيه صلى الله عليه وسلم ..
كذلك من أسباب الإعانة على الفهم والتمكن في العقل عن الله .. أن يعتني الطالب بأمثال القرآن ..
وإن كان المطلوب بالطبع أن يعتني بكل آية .. لكن المقصود .. أن العناية بالأمثال خاصة .. من أسرار الدربة على الفهم .. ولهذا قال سبحانه عقيب مثل البعوضة "فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم"
¥