ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[22 - 12 - 06, 11:37 م]ـ
"بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم"
وهذا دليل الحفظ .. وقد وجدت شاعر النيل-رحمه الله- في كتابه النظرات يسخر من حفظة المتون .. ككتاب كالبخاري ونحوه .. قائلا إن هؤلاء الحفظة .. لم يزيدوا على أن زاد عدد النسخ! .. وهذه نظرة قاصرة وقع فيها جماعة من المعاصرين .. من الفقهاء ونحوهم .. من المغترين بفهمهم أو الفرحين بما عندهم من العلم
ووضوح بطلانها أظهر من أن يرد عليه
وقوله "بينات" .. بيان لشرف محفوظهم ..
وتأكيد على أن حفظهم قارنه الفهم ..
فليس ما استودعوه صدروهم حروفا مجردة .. لا تجاوز حناجرهم ..
بل آيات بينات .. تهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[22 - 12 - 06, 11:39 م]ـ
"يرفعِ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"
قال ترجمان القرآن:أي يرفع الله الذين أوتوا العلم من الذين آمنوا على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم
وفرق بين "الذين أوتوا العلم" وبين طلبة العلم .. أو العلماء ..
لأن الله تعالى هو من آتاهم العلم وإن كان بنى الفعل على مالم يسم فاعله ..
فهذه النسبة تدل على شرفهم .. بخلاف مطلق طلبة العلم .. فلا يلزم أن يكونوا أرفع درجة من الذين آمنوا .. حتى يحققوا ما تعلموه ويدعوا إليه ويصبروا على الأذى فيه ولا يتنكبوا الطريق .. فإن خالفوا مجاملة لسلطان أو طمعا في منصب أو رياسة أو تقديما لخشية أحد وملامته على خشية الله تعالى .. إلخ .. فإنما يتبعون أهواءهم .. وهم حيئنذ من شرار الخلق .. فعلم أن هناك علماء ربانيين .. وعلماء سوء .. في كل زمان ومكان
قال ابن المبارك رحمه الله تعالى ورضي عنه:وهل أفسد الدين إلا الملوك .. وأحبار سوء ورهبانها
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[22 - 12 - 06, 11:44 م]ـ
"ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما"
دلّت الآية أن الفهم أخص من العلم ..
فعلى طالب العلم أن يحرص على الفهم العميق لأنه نادر حتى في ذكره في الكتاب العزيز فلم ترد مادة "فهم" في القرآن العظيم .. إلا في هذا الموضع .. فذلك مما تتفاوت فيه مراتب العلماء والمجتهدين
وإسناد التفهيم لله تعالى .. يتضمن التذكير بعدم الاغترار .. على طريقة من قال"إنما أوتيته على علم عندي"
فهناك من طلبة العلم من لسان حاله كذلك .. وإن لم يتفوه بلسان المقال
ولهذا أحسن كثير من العلماء .. في السنة التي درجوا عليها بتسمية كتبهم .. بالفتح ..
كفتح الباري .. وفتح المبدي .. وفتح المغيث .. اعترافا منهم وإقرارا بأن الله هو من منّ عليهم بالفتوحات وعلمهم
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[22 - 12 - 06, 11:47 م]ـ
وقل رب زدني علما"
هذا الأمر الرباني في حق أعلم الخلق .. فتعين على سالك طريق العلم ..
أن يتخذ له زادا من هذا الدعاء ونظائره .. يعينه على بلوغ مرامه من التوقيع عن رب العالمين
والقيام بمهمة المرسلين .. والدعوة إلى الله تعالى ..
ولم يرد طلب الاستزادة من شيء بلفظ اشتق من "الزيادة " في كتاب الله .. إلا العلم ..
فتدبر!
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[22 - 12 - 06, 11:54 م]ـ
وأختم باستنباط الفوائد من أشهر قصة علمية .. وهي رحلة موسى عليه السلام لطلب علم الخضر .. وفيها جماع ما تفرق في الآيات من شروط وأسباب لطلب العلم والترقي فيه ..
-أول شيء-الإخلاص ..
وهذا الشرط جامع مانع .. وذِكره على التحقيق .. يقود إلى ما سواه .. وهو شرط في كل عمل .. وشطر لقبوله ... عند الله سبحانه وتعالى ويظهر إخلاص موسى عليه السلام منذ مطلع القصة حيث قال"لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين "
فهذا الإصرار بهذا النفي المقيد بانتهاء غايته .. وهي لقاء الخضر عليه السلام .. ليتعلم منه ..
والحق أن كل آيات القصة تنضح ببيان إخلاص موسى عليه السلام
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[22 - 12 - 06, 11:58 م]ـ
ثانيا-الغربة والعزلة .. في طلب العلم ..
.. فكل من ألف خلطة الناس .. وأكثر من تندره مع الخلان والأصحاب والأهل .. لايمكن أن يصبح عالما ..
ولهذا سافر موسى عليه السلام مع فتاه لطلب العلم وقال"أو أمضي حقبا" .. أي مهما سرت من أحقاب الزمان فلن أبرح .. حتى بلوغ غايتي وهي الخضر .. ليعلمني .. ولهذا لاتجد في سيرة العلماء .. من لم يرتحل أو ينعزل في طلبه .. كل بحسبه .. وليس معنى هذا الانقطاع الكلي عن الأبوين والزوج .. ونحوهم .. ولكن أدنى الكمال في ذلك .. أن يقتطع الإنسان من وقته جزءا معلوما
في بيته يداوم عليه .. يكون فيه منكبا على العلم والنهم به .. ولايزاحمه في وقته هذا أحد .. وقد سئل مالك عن رجل محكوم بالقتل .. ماذا يفعل إلى حين قتله .. قال: يتعلم علما!
وترك الشافعي قيام الليل ليلة مبيته عند أحمد حتى استعظمته فاطمة بنته على سبيل الإنكار .. فلما سأل الإمام أحمد في صبيحة اليوم علل ذلك بأنه كان يتفكر في قضية فقهية فرع عليها نحو سبعين مسألة وهو مضطج!
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[23 - 12 - 06, 12:02 ص]ـ
ثالثا-الكفاف في الطعام والمتاع والتقلل منه بما يقيم الصلب ..
واستمع إلى موسى عليه السلام وهو يقول"آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا"فجاع في سبيل العلم .. وعند هذا الموطن خاصة أي لما بلغ به النصب في طلب بغيته العلمية حد الجوع .. اهتدى إلى الأمارة التي أوصلته للخضر .. فتأمل! .. وكما عند مسلم عن يحيى بن أبي كثير مقطوعا: لا يستطاع العلم براحة البدن
وليس معنى هذا أن يحرم الإنسان نفسه الطعام"قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" .. ولكن يتقلل من المتاع .. ولا يملأ بطنه .. ولايسد شهوته بكل ما اشتهى .. بل يعيش كفافا ما أمكن ..
ولما رأى الإمام الشافعي .. الإمام محمد بن الحسن الشيباني (أحد كبار تلامذة أبي حنيفة) .. قال له: ما رأيت سمينا عقل قط غيرك .. وصدق من قال: البطنة تذهب الفطنة
¥