4 - قوله تعالى: ((أجعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله و اليوم الآخر و جاهد في سبيل الله، لا يستوون عند الله، و الله لا يهدي القوم الظالمين، الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم أعظم درجة عند الله و أولئك هم الفائزون)) ([46] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn46))
إن الأعمال و الطاعات تتفاضل و تتفاوت مراتبها، و هذا مما لا يختلف فيه اثنان، و الآية تبيّن أن الذي يساوي بين الطاعات: الإيمان بالله و الجهاد في سبيله بسقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام بأنه ظالم لا يستحق الهداية؛ إذ الظلم جعل الشيء في غير موضعه، و هنا ساوى بين الطاعات، و جعل المرجوح راجحاً، و المحبوب أحب. و الآية فيها حث على العمل بالراجح الأحب إلى الله، حيث جعل الإيمان، و الهجرة، و الجهاد، أعظم أجراً، و حصر الفوز في من قام بهذه الأعمال: ((الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم أعظم درجة عند الله و أولئك هم الفائزون)).
المطلب الثاني: أدلة العمل بالقول الراجح من السنة.
1 - عن أبي مسعود الأنصاري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً، و لا يؤمّنّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه و لا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) ([47] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn47)).
و جه الاستشهاد: تقديمه – صلى الله عليه و سلم - الأقرأ لكتاب الله في الصلاة، ثم الأعلم بالسنة، ثم الأقدم هجرة، و كل هذا تقديم للراجح على غيره.
و مثل ذلك تأمير النبي – صلى الله عليه و سلم – للأحفظ لكتاب الله، و كذا يوم أحد كان يجمع بين الرجلين من قتلى المسلمين في ثوب واحد و يقدم أكثرهم أخذاً للقرآن. ([48] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn48))
2- عن تميم بن طرفة قال: جاء سائل إلى عدي بن حاتم، فسأله نفقةً في ثمن خادم أو في بعض ثمن خادم، فقال: ليس عندي ما أعطيك إلا درعي و مغفري، فأكتب إلى أهلي أن يعطوكها، قال: فلم يرض، فغضب عدي، فقال: أما و الله لا أعطيك شيئاً، ثم إن الرجل رضي، فقال: أما و الله لولا أني سمعت رسول الله – صلى الله عليه و سلم – يقول: ((من حلف على يمين ثم رأى أتقى لله منها، فليأت التقوى)) ما حنّثت يميني. ([49] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn49))، و في رواية: ((من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير و ليترك يمينه)) ([50] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn50)) و في رواية: ((فليكفرها و ليأت الذي هو خير)) ([51] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn51)).
وجه الاستشهاد: قوله – صلى الله عليه و سلم: (فليأت) فإنه أمر أن يترك الفاضل و يعمل بالأفضل، و الأمر كما هو مقرر في علم أصول الفقه يفيد الوجوب، و جاء في الرواية الأخرى: (فليأت ... و ليترك يمينه) مبينة لذلك بإتيان الأفضل و ترك الفاضل.
3 - عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه و سلم: ما خُيِّرَ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه. ([52] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=27#_ftn52))
وجه الاستشهاد: قوله: ((ما خير بين أمرين إلا اختيار أيسرهما)) ففيه تقديم الأيسر من الأمور على اليسير. و هذا في الأمور المباحة التي فيها مجال لاختيار العبد، أما غيرها فتسليم و اتباع للراجح و الله أعلم.
المطلب الثالث: الإجماع على العمل بالقول الراجح.
فقد أجمع الصحابة – رضي الله عنهم – و من بعدهم من السلف على تقديم بعض الأدلة الظنية على بعض في وقائع مختلفة إذا اقترن به ما يقوى به على معارضه، من ذلك:
¥