تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[المشترك بين الأعلى والغاشية]

ـ[حارث ماهر ياسين]ــــــــ[16 - 10 - 09, 06:37 ص]ـ

سور صلاة الجمعة (1)

[المشترك بين الأعلى والغاشية]

27/ 10/1430

الحمد لله رب العالمين؛ أنزل القرآن هدى للمتقين، وحجة على الناس أجمعين، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم؛ فهو سبحانه مبتدئ النعم ومتممها، وهو عز وجل من يستحق شكرها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الحكمة الباهرة في شرعه، وله الحجة البالغة على خلقه [قُلْ فَللهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ] {الأنعام:149} وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أنصح الناس للناس وأتقاهم لله تعالى، تركنا على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم -عباد الله- بتقوى الله تعالى؛ فإنها الصفقة الرابحة، والوصية الجامعة .. وصانا بها ربنا جل في علاه [وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ] {النساء:131} ووصانا به رسوله ^ في موعظته التي ظن الصحابة رضي الله عنهم أنها موعظة مودع فقال ^: «أوصيكم بِتَقْوَى الله» فخذوا عن ربكم سبحانه وتعالى وصيته، وخذوا عن نبيكم ^ وصيته؛ والزموا التقوى فإنها نعم العدة ليوم لا تنفع فيه شفاعة ولا خلة.

أيها الناس: يوم الجمعة يوم عظيم مبارك، جعله الله تعالى للمسلمين عيداً، واختصه بجملة من الخصائص، من أعظمها هذه الصلاة التي يجتمع لها المسلمون في المساجد؛ ليستمعوا للتذكير والموعظة فتكون زاداً لهم في أسبوعهم، ومن خصائص صلاة الجمعة أن النبي ^ سن فيها قراءة سور مخصوصة هي الجمعة والمنافقون، أو الجمعة والغاشية، أو الأعلى والغاشية، ولا بد أن يكون تخصيص صلاة الجمعة بهذه السور لحكم عظيمة، وفوائد جليلة، تعود على المصلي بالنفع عاجلاً وآجلاً. وقد روى سَمُرَةُ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله ^: «كان يَقْرَأُ في صَلَاةِ الْجُمُعَةِ [سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى] و [هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ]» رواه أبو داود. وهاتان السورتان كان النبي ^ يقرأ بهما في صلاة العيد، ومن العجيب أيضاً أنه إذا وافق يوم الجمعة عيداً قرأ بهما في صلاة العيد صباحاً، وقرأ بهما في صلاة الجمعة ظهراً، فكرر القراءة بهما في يوم واحد، في صلاتين متتابعتين؛ كما جاء في حديث النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ رضي لله عنهما قال: «كان رسول الله ^ يَقْرَأُ في الْعِيدَيْنِ وفي الْجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ، قال: وإذا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ في يَوْمٍ وَاحِدٍ يَقْرَأُ بِهِمَا أَيْضًا في الصَّلَاتَيْنِ» رواه مسلم.

وحين نتأمل المعاني التي حوتها السورتان يبين لنا بعض الحكم العظيمة من قراءتهما في الجمعة والعيد، ولا يتسع هذا المقام لذكر كل ما في السورتين، لكن ثمة أموراً مشتركة، تكررت في السورتين جميعاً للعلم بها أهميته ..

إن يوم الجمعة هو يوم موعظة وتذكير، وأعظم ذلك وأفضله التذكير بربوبية الله تعالى وعظمته وقدرته، والاستدلال على ذلك بآياته وخلقه؛ ليبقى معظماً في قلوب من صلوا الجمعة، فينتفعون بذلك طيلة أسبوعهم بالمبادرة إلى الطاعة، والانتهاء عن المعصية؛ تعظيماً لله تعالى وإجلالاً وخوفاً ورجاءً، وعند النظر في السورتين نجد أنهما اشتركتا في هذا المعنى العظيم؛ ففي الأعلى تذكير بالخلق والقدر وإنبات الزرع [سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى] {الأعلى:1 - 5}

وفي الغاشية تذكير بآيات أخرى تدل على عظمة الله تعالى وقدرته [أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ] {الغاشية:17 - 20}.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير