تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[غزة و فقه الإنتصار]

ـ[أبو عبد الرحمان القسنطيني الجزائري]ــــــــ[01 - 11 - 09, 02:27 م]ـ

< center> غزة و فقه الإنتصار

متى نصر الله؟ لماذا تأخّر النصر عن غزّة رغم الصمود الأسطوري لسكانها ومجاهديها ورغم أعداد الشهداء والمصابين؟ أين الدعاء الّذي يلهج به مئات الملايين من المسلمين متضرّعين إلى الله يستنزلون النصر؟ أين الاستجابة لصرخات المظلومين واستغاثات الأطفال والثكالى؟ ألم يقل الله تعالى \"وقال ربّكم ادعوني أستحب لكم\"؟ ألم يقل جلّ شأنه \"وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان\"؟

هذه أسئلة تراود المؤمنين الّذين يرون آلة الدمار الصهيونية تزرع الموت في غزّة في ظلّ صمت الأنظمة العربية وتواطئ أكثرها مع العدوان على مسلمين عزل مستضعفين، ولم يبق لهم من أمل سوى في ربّهم، وهي أسئلة مشروعة طرحها حتّى الأنبياء \" ... وزلزلوا حتّى يقول الرسول والّذين آمنوا معه متى نصر الله\"، ولكنّ الإجابة عليها تحتاج إلى فهم فقه الانتصار في ضوء القرآن والسنّة وسنن الله في المجتمعات والأحداث، ويمكن القول إن الإجابة تقتضي طرح سؤال جوهري هو: ما معنى النصر؟، وهنا تأتي قضيّة النسبية الّتي تحكم حياة البشر وتتحكّم في الوقائع كقانون رباني أزلي، فأصحاب الأخدود مثلاً صبروا على امتحان الطغاة صبراً بطوليّاً وألقوا في النار تباعاً، والغلام _بطل القصّة كما ورد في صحيحي البخاري ومسلم_ قتله الملك الكافر، حدث كلّ هذا فلم تتحوّل النار إلى برد وسلام ولم ينج الغلام من القتل كما وقع لإبراهيم عليه السلام. لماذا هذه النهاية وهذه التضحيّات؟

إن للمؤمن ثقة لا حدّ لها في ربّ العالمين ويعتقد جازماً أن لله حكمة في كل ما يفعل، حكمة يعلمها بعض الناس وتغيب عن آخرين وربّما لا تدرك آنيا بل تظهر ملامحها بعد حين، قال تعالى: \"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون\"

فالخبر ليس بالضرورة ما نتمنّاه الآن في شكل معيّن بل قد يأتي في شكل آخر أفضل للمسلمين، فنحن محكومون بالنسبية أمّا الله تعالى فهو الفعال لما يريد المطلع على حقائق الأمور، ولذلك يقول الرسول _صلى الله عليه وسلم_: \"عجباً لأمر المؤمن أن أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلاّ للمؤمن، إن أصابته نعماء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له\" (رواه مسلم)، فقد يكون الأمر في ظاهره شرّاً لكنّه يبطن الخير الكثير بفضل الله تعالى، ومن أوضح الأمثلة على ذلك صلح الحديبية الّذي يعتبر في ظاهره هضماً للمسلمين بينما تفتق مع الأيام أنواع من الإيجابيات فكان نصراً \"إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ويتمّ نعمته عليك ويهديّك صراطاً مستقيما وينصرك الله نصراً عزيزا\"، لذلك ذكر الله أنّه يعلم (أي الحقائق الباطنة والمآلات وعنده العلم المطلق)، بينما نحن البشر لا نعلم (أي إلاّ نسبيّاً بما يتوافق مع الظاهر والآتي).

ومن أهم ما ينبغي التوقّف عنده هو تحرير مفهوم النصر بمعناه الشامل وفق الميزان الرباني لندرك أن النصر ليس بالضرورة الغلبة على الأعداء في كلّ معركة فهذا لم يحدث حتّى للجيش الذي قاده الرسول _صلى الله عليه وسلّم_ بنفسه، فقد عرف الانكسار والتراجع كما في أُحُد وفي بداية حُنَين، ذلك أن الحرب سجال لأنّها خاضعة لظروف موضوعيّة ونفسيّة تشكّل سنة لا تتبدّل وقانوناً يستوي أمامه جميع الناس لكن العاقبة للمتّقين، فهل النصر هو السلامة من الأذى والآلام؟ قال تعالى: \"مسّتهم البأساء والضرّاء وزلزلوا ... \" وقال: \"إن يمسسكم قرح فقد مسّ القومَ قرحٌ مثله\" وقال: \"وليتّخذ منكم شهداء\"

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير