تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الدعوة المعاصرة بين كلية العقيدة وجزئية الإصلاح]

ـ[محمد رشيد]ــــــــ[31 - 10 - 09, 11:40 ص]ـ

حينما ننظر النظرة التاريخية الشاملة إلى الدعوات والحركات الإسلامية التي مثلت انتقالة تاريخية .. وعلى رأسها في عصرنا حركة الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في الجزيرة العربية، ومن بعدها حركة الإخوان المسلمين في مصر .. نجد أنه لا توجد حركة ذات أثر كلي تاريخي إلا وبدأت فعالياتها من قضية واحدة .. قضية كلية .. هي قضية الاعتقاد ..

إن بعض المحللين المعاصرين، ومن خلال استقرائه للتحولات والفروق بين بداية الحركة الإسلامية الحديثة، وما آلت إليه في صور عدة ومنها ظاهرة الدعاة الجدد أو المستقلين .. قرر - في تحليله - أن من أبرز أوجه التباين بين أنشطة الدعوة المعاصرة، وبين البدايات لتلك الدعوة، هي الجانب الجماعي؛ حيث كانت الحركات الإسلامية في منطلقها تظهر في صورة كيان وجماعة وقيادة ووحدة فاعلة، فكانت هناك جماعة الإخوان المسلمين، وكانت هناك تنظيمات أخرى، على اختلاف بين تلك الكيانات إلا أنها كانت تتفق في كونها كيانات جماعية، وتعمل عملا جماعيا، وتحمل الصفة المجتمعية .. بينما تحول الأمر في العقود الأخيرة، لتعلو ظاهرة الدعاة المستقلين، الذين يحمل كل منهم منهجا وطريقة يمكن أن تنسب إلى هذا الفرد دون غيره .. ولو على تقارب عام بحكم الجهة والمنبع.

أقول: إن التحول من الكيانية إلى الفردية لم يقتصر على الدعاة أنفسهم، وإنما جاء موازيا لذلك التحول تحول آخر، هو تحول المادة الدعوية ذاتها!

بمراجعة دعوة الإمام ابن عبد الوهاب، وكافة الدعوات ذات التأثير والتحول التاريخيين، نلحظ - بوضوح - أن دعواتهم كانت قائمة على كلية العقيدة الإسلامية، والتي تكون كافة مواد الدعوة من بعد تابعة لها منبثقة منها .. فكانت الدعوة ابتداء هي إلى ((كلية العقيدة)) لا إلى ((جزئية التشريع)) .. ومن هنا تتبين لنا الأخطاء المنهجية الدعوية التي يقع فيها الدعاة المعاصرون أو كثير منهم.

إن كل جزئية في تصورنا مرتبطة ارتباطا أصيلا بالعقيدة، بل إنها ما انبثقت إلا منها ابتداء، ومن هنا لا نستطيع أن نتصور إصلاحا إسلاميا - ابتداء - فيوصف بكونه (إسلاميا) إلا أن تسبق العقيدة عليه، فتنبثق الجزئية الإصلاحية من تلك العقيدة، لا لذاتها؛ وإنما لتكون تحقيقا لمقتضى تلك العقيدة التي لا يصححها أن تكون اعتقادا ذهنيا قلبيا صرفا، وإنما التحقق الذهني والقلبي هو - فقط - مرحلة من مراحل تحققها.

ومن هنا نفهم الخلل الواقع في منهج كثير ممن يصطلح الاستعمال عليهم بالدعاة الجدد - ولا أعمم - حين يجعلون دعوتهم ابتداء دعوة (اخلاقية) أو (إصلاحية) في العموم ..

إن محاربة المخدرات شيء جميل ومطلوب .. ومحاربة الفقر كذلك .. ولكن .. الأحزاب الوطنية القومية يمكنها القيام بذلك بل وتحبه وتسعى له .. وبعض من الدول ذات الغالبية في العقائد الوثنية لا ينتشر فيها حتى التدخين، وهي مستقرة اقتصاديا إلى أبعد حدا، ولا بطالة فيها أو تقل.

لا شك أن هذه إصلاحات، وهي شيء يحبه الإنسان، يحبه المسلم، والنصراني، واليهودي، والوثني، والهندوسي .. إلخ .. ولا شك أن من يقومون بتلك الإصلاحات هم يطلق عليهم (إصلاحيون) ولكن هل هم - في تلك الصورة المجرد - يصح أن يطلق عليهم (دعاة إسلاميون)؟ الجواب لا .. فالدعوة الإسلامية لها أصولها ولها جذورها ولها منهها، ولها مراحله االتي لا يمكن تخطيها، والتي تفقد فعالياتها كاملة لو سبقنا إحدى مراحلها بمرحلة تالية، إنها قواعد وفروع، وكل ما يعد من فروع الدعوة من الإصلاحات التي شأنها أن تقع داخل التصور العقيدي، فهي لا تصلح أن تكون أصولا بنفها، بحيث ننسب إليها الدعوة، لتكون دعوة إصلاح اقتصادي، أو دعوة محاربة فقر، أو دعوة إصلاح أخلاقي. فالدين الإسلامي ليس هو الأخلاق، إنه لا يساويها؛ إن الدين الإسلامي هو قاعدة تعبد وخضوع واستسلام، والأخلاق هي جزء صورة هذا الاستسلام، أو هي بعض تطبيقاته، فلا يصح انفصالها كأصل، فهذا يفقدها خصيصتيها:

- كونها فرعا عن الإسلام بمعنى الاستسلام

- كونها جزءا لا كلا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير