تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والإهمال لواجبات ما يليق بأهل الفضل أو حتى بعموم المسلمين إهمالها.

نعم، إن الأصل التقوى للرحمن، والأصل في شخصية المؤمن أن يكون شخصية قرآنية متكاملة .. فيها مزيج متكامل متزن من كافة المواد الشخصية التي لو امتزجت بالمعايير القرآنية كونت لنا النموذج الأمثل .. فنالنبي صلى الله عليه وسلم لما كان خلقه القرآن، ولما كان قرآنا يمشي على قدمين، ظهرت فيه شخصية الداعية، وظهرت فيه شخصية شخصية المعلم للأحكام الفقهية، وظهرت فيه شخصية الواعظ، وظهرت فيه شخصية المجاهد الذي يقسو فلا يرحم .. وظهرت فيه شخصية الأب الحنون .. وظهرت فيه شخصية الزوج الدعوب؟؟ وظهرت فيه شخصية الصاحب الذي يجلس بين ظهراني القوم يسأل عنه الداخل .. وظهرت فيه شخصية المخبت العابد الخاشع مطأطئ الرأس .. أمانحن في زماننا .. زمان التورم السرطاني في الشخصيات المختلفة .. فترى شخصا تروقه شخصية الفقيه، فيحرص على أن يتكلف التخشب والصرامة ونوع آلية أثناء تحركاته حتى التي من شأنها أن تكون تلقائية كإنسان عادي يعيش مع الناس .. ونرى شخصا آخر تروقه شخصية العباد المخبت الخاشع فيسير مسبل العينين خافت الصوت ناعمه حتى في المواقف التي تستدعي أن يكون فيها أسدا هصورا عنيفا .. فكل شيء عنده بالهدوء! .. ونرى شخصا ثالثا تروقه شخصية المحدث الناقد، فيتخيل نفسه يحيى بن معين زمانه أو أبا حاتم الرازي ـ طبعا لن يتخيل نفسه شخصا معتدلا في الجرح كأحمد أو البخاري فضلا عن شخص متساهل كابن حبان .. فترى هذا الشخص يحرص على إظهار سرعة النقد والتحليل فيما يحدث حوله وتشغل تلك القضية حياته ولو نظرت لحاله لعرفت أنه مجروح بل مقتول! .. ونرى شخصا رابعا من جماعة التبليغ والدعوة، فيظهر له سمت خاص من الهدوء والنعومة التي لا ينبغي أن تكون سائرة على طول السياق الذي يحياه المؤمن .. وهكذا .. نرى أنفسنا نعيش عهد التورم السرطاني في الشخصيات ..

ما السر وراء تلك التورمات السرطانية؟

السر هو أننا فقدنا شخصية المسلم المتزن التلقائي .. وانفصلت العناصر جسم المسلم المعتدل عن بعضها .. ثم أخذ كل عنصر من هذه العناصر يحاول أن يملأ الفراغ الذي حوله بسبب تخلي بقية العناصر عنه .. فبدأ يحدث ذلك التورم السرطاني في هذا العنصر ..

فهناك تورم سرطاني في العبادة أدى إلى مرض الانغلاق في صومعة الإخبات والعطر (البخور) الباعث على الخشوع!

وهناك تورم سرطاني في العلم أدى إلى الجفوة والانشغال عن الأمة بالعيش في صومعة العلم أو عبادة وثن العلم من دون الله!

وهناك تورم سرطاني في الحركة الدعوية الإصلاحية أدى إلى ظهور مرض التحرك لمجرد التحرك دون تحقيق أهداف وترتيب أولويات!

والسرطان الذي نتحدث عنه في هذا المقال هو سرطان العلم ..

العلم ..

العلم ..

العلم ..

تكررت تلك الكلمة كثيرا حتى صارت قبلة نتوجه إليها بذاتها دون الانتباه إلى حقيقتها التي وراءها والتي أكسبتها هذه الجلالة ..

في عهد السلف الصالح كان إذا أثني على واحد بالعلم فإن ذلك الثناء لم يكن لذات العلم والكم المحصل الضخم كما في زماننا، فإن ذلك لم يعرفه السلف رضي الله عنهم، وإنما كانوا يثنون على صاحب العلم لأن العلم كان مؤشرا على مدى تقوى الرجال، فإنهم لا يعلمون إلا ما يعملون، فإذا كان عالما فحلا عكس ذلك عندهم تقوى الرجل وفضله .. فإجمالا لم يكن لديهم ذلك (الانفصام) بين العلم والعمل الذي لدينا الآن، فكان حالهم قريب من حال الصحابة الذين كان يعظم الرجل في أعينهم لو ((حفظ)) البقرة! وهذا أمر عجيب لمن لا يعرف حال الصحابة .. فهم من أجود وأقدر واسرع الناس حفظا كما كان كذلك جيلهم من العرب .. فكيف يبرز فيهم ويعظم من حفظ البقرة؟! .. هذا التعجب يبديه من لا يعرف حال القوم، فما كانوا يحفظون للحفظ؛ وإنما كانوا يحفظون للعمل .. فالعمل هو الغاية وليس التحصيل .. فكان أحدهم لا يتجاوز عشرة آيات حتى يعلم ما فيها من العلم والعمل، فتعلموا العلم والعمل جميعا .. رضي الله تعالى عنهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير