تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كل واحد منكم يسأل نفسه: هل كل واحد منا قد قضى ما عليه فيما يرى من منكرات في مجتمعنا وفي أسواقنا؟ هل كل واحد منا قد قام بالواجب الملقى على عاتقه، ولم تأخذه في الله لومة لائم، أم أنه بدأ يحسب ويضرب أخماسا في أسداس، الوظيفة، والترقية، والنقاط الكثيرة؛ ولذلك يتخاذل عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كم تخرج من كلياتنا من الكليات الشرعية من طلاب العلم؟ يعدون بالآلاف، وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على خريجي كلية الشريعة، إنما هو على كل قادر " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده " [12] ( http://saaid.net/alsafinh/21.htm#[12]) لو أن كل واحد منا قام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما آلت الأمور إلى ما ترون.

الحال إن لم يتداركنا الله برحمته نخشى أن يعمنا الله بعقاب من عنده، يعم الصالح والطالح، تسأل إحدى أمهات المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم إذا كثر فيكم الخبث " [13] ( http://saaid.net/alsafinh/21.htm#[13]) ثم يبعثون على نياتهم كما ورد في حديث آخر، أما هذا فقد قضى ما عليه، راجعوا هذه الكلمة، وكل واحد منكم يطبقها على نفسه، والله جل وعلا هو الذي سيحاسبه يوم القيامة.

قضية الإمام أحمد بن حنبل

أما المثال الثاني: فهو مثال لا يخفى عليكم قضية الإمام أحمد بن حنبل عندما وقف أمام فتنة القول بخلق القرآن، يا أحبتي الكرام هذا العالم الجليل الإمام أحمد ألفت فيه الكتب، وذكره التاريخ وكتب سيرته بصفحات بيضاء وقف وقوف الأبطال، ضعف كثير من طلاب العلم عن الوقوف أمام هذه الفتنة التي كادت أن تودي بالأمة، فوقف هذا العالم البطل وقفة شجاعة، الإمام أحمد بن حنبل بفضله، وعلمه، وعزته يجلد أيها الأخوة؟ الإمام أحمد بن حنبل يصلي وهو مكبل بالحديد أيها الأحباب؟ الإمام أحمد بن حنبل يصلي والدماء في ثيابه من أثر الضرب، حتى إنه ما استطاع في بعض الأحيان أن يصلي واقفا وصلى جالسا -رحمه الله-.

الإمام أحمد وقف وقفة شجاعة أمام المأمون، ومن بعد المأمون، أمام حرب الاعتزال، أمام تضليل الأمة في عقيدتها وفي كتاب ربها، وقف هذا العالم البطل وقفة كلها شجاعة وكلها إباء، ويأتيه بعض العلماء يشد من أزره ويؤيده؛ ولذلك ذكر العلماء عن قضية من حدثه ومن وقف معه من الأمة، حتى أنه جاءه بعض طلابه وقالوا له: ألا تتأول يا إمامنا؟ قال: كيف أتأول والناس خلف الباب يكتبون ما أقول؟، وصمد سنوات عدة في السجن، والأغلال، والتعذيب، لم يثنه ذلك عن ذكر الله جل وعلا.

هذه مكانة هذا الإمام؛ ولذلك أصبح الإمام أحمد يقول كما نصحه أحد العلماء يقول الإمام أحمد بن حنبل: ما رأيت أحدا على حداثة سنه وقلة علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، وإني لأرجو أن يكون الله قد ختم له بخير، قال لي ذات يوم وأنا معه خاويين: يا أبا عبد الله، الله، الله إنك لست مثلي أنت رجل يقتدى به، وقد مد الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك فاتق الله، واثبت لأمر الله أو نحو هذا الكلام.

يقول أحمد: فعجبت من تقويته لي وموعظته إياي.

كان في السجن وعندما أراد أن يجلد جاءه رجل قد سجن معه فقال له: يا أحمد -اسمعوا إلى هذه الموعظة من سجين، من مجرم- قال له يا أحمد: إنني رجل أسرق، وكلما أسرق يؤتى بي وأجلد، ومع ذلك أخرج وأسرق مرة أخرى، فلم يؤثر بي الضرب، وأنت تقوم من أجل حماية عقيدتك فإياك إياك أن أكون أنا أشد عزيمة منك، فاصمد للضرب.

يقول الإمام أحمد: فأصبحت لا أبالي بالضرب كلما ضربوني تذكرت هذا اللص الذي نصحني -غفر الله له- وكيف أن الداعية يضعف أمام هذا المجال؟ كيف أن اللص المجرم لا يبالي بالضرب والتعذيب والسجن، والداعية إلى الله من أول وهلة يتراجع عن طريقه وعن سبيله؟.

أقول أيها الأحباب: ضرب الإمام أحمد وأوذي في الله أذى شديدا؛ ولذلك جاء شاعرنا عبد الرحمن العشماوي يصور محنة الإمام أحمد في قصيدة طويلة أنصح الأخوة بالاستماع إليها، أذكر بعضا منها؛ لأهميتها وللمعاني العظيمة التي ستسمعونها فيها، معاني عظيمة في هذه الأبيات التي اخترتها بعد أن ذكر في قصيدته الطويلة محنة الإمام قال في ختامها:

أمثل أحمد تدميه السياط ... على مرأى من الناس هذا حادث جلل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير