وجاء الإمام الحسن البصري، ووجد بعض طلاب العلم قد وقفوا عند باب أحد السلاطين فخاطبهم قائلا: ما يجالسكم هاهنا؟ تريدون الدخول على هؤلاء الخبثاء؟ أما والله ما مجالستهم مجالسة الأبرار، تفرقوا فرق الله بين أرواحكم وأجسادكم.
هذه الكلمة يقولها الحسن البصري لبعض طلاب العلم عندما رآهم قد وقفوا عند أحد أبواب السلاطين، قد فرطتم نعالكم، وشمرتم ثيابكم، وجررتم شعوركم، فضحتم القراء -فضحكم الله-، فضحتم طلاب العلم؛ لوقوفكم عند أبواب السلطان، فضحكم الله لو زهدتم - اسمعوا لهذه الكلمة من الحسن - لو زهدتم فيما عندهم لرغبوا فيما عندكم، ولكنكم رغبتم فيما عندهم فزهدوا فيما عندكم، أبعد الله من أبعد. هذه قصة عن الإمام الحسن البصري.
قصة عبد الله بن المبارك
والفضيل بن عياض
وقضية أخرى أيضا من عبد الله بن المبارك، أهديها لكثير من الذين يتصورون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو في الزهادة، والبعد عن الناس، والجلوس في المساجد فقط، اسمعوا ما قاله عبد الله بن المبارك وهو في الجهاد، يقول لأحد العلماء وهو الفضيل بن عياض -على فضله وتقواه- قال له عبد الله بن المبارك:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... ......................................
الفضيل كان في الحرم، وعبد الله أين كان؟ كان في الجهاد:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت أنك بالعبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل ... فخيولنا يوم الكريهة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار خيل الله في ... أنف امرئ ودخان نار تتلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميت لا يكتب
أيها الأخوة المواقف كما قلت كثيرة جدا.
قصة ابن أبي الحسن الزاهد
أقف مع موقف آخر لأحد العلماء، وهو لأبي الحسن الزاهد أو ابن أبي الحسن الزاهد: كان الملك ابن طولون ظالم من ظلمة الحكام، وقل أن يأتي إليه إنسان ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر إلا ويقطع رقبته، حتى إنه قتل ثمانية عشر ألف إنسان صبرا، والصبر هو أشد أنواع القتل يجوع حتى يموت، جاءه الإمام ابن أبي الحسن الزاهد وقال له: يا ابن طولون إنك قد ظلمت وفعلت، وفعلت وأنَّبه وتكلم عليه فاشتد ابن طولون وأمر بحبسه، لما حبسه أمر ابن طولون بتجويع أسد ثلاثة أيام، وعندما جوع الأسد اجتمع الناس وفي مقدمتهم ابن طولون ووضع، وجيء بأبي الحسن الزاهد، ووضع أمام الأسد في حلبة.
تصوروا إنسانا ضعيفا أعزل أمام أسد جائع له ثلاثة أيام لم يأكل، فلما رآه الأسد بدأ يزأر ويتقدم ويتأخر، والناس أيديهم على قلوبهم من المعركة غير المتكافئة، وأبو الحسن الزاهد قد أطرق مليا، لا يتحرك منه عضو في جسده كأنه لا يبالي، وبدأ يهدر هذا الأسد والناس بين خائف، ومكبر، ووجل، ووجدوا أن الأسد يتقدم ويتأخر، ثم جاء وطأطأ برأسه على أبي الحسن الزاهد وشمه ثم ذهب، وبدأ يفعل هذا برهة من الزمن، ثم طأطأ رأسه وانصرف في زاوية من المكان، وجلس ولم يمس أبا الحسن الزاهد بسوء، وكبر الناس وتعجبوا فقال أحمد بن طولون: ائتوني به، فجاءوا بالإمام الزاهد -قولا وفعلا- هذه هي الزهادة الحقيقية فسأله وقال: أريد أن أسألك سؤالا بماذا كنت تفكر والأسد يزأر ويصيح ويرفع صوته؟ بماذا كنت تفكر؟ تفكر في أولادك؟ تفكر في رواتبك؟ بماذا كنت تفكر؟ قال: إن الأسد عندما جاء وشمني ومس ثوبي جلست أتأمل هل لعاب الأسد طاهر أو نجس؟ هذه القضية التي تشغله. قال: أما خفت من الأسد؟ قال: أبدا؛ لأن الله سبحانه وتعالى يكفيني إياه.
ثالثاً: مواقف لبعض العلماء المعاصرين
هذه هي المواقف الشجاعة، المواقف التي فيها البطولة، وفيها الإيمان، والله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.
¥