تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بالتعاون على البر والتقوى، ويذكرهم أيضاً بأن هؤلاء الذي غابوا عنه ولم يحضروا، ولم يسلموا عليه ولم يهنئوه على الخروج من الحبس أن هؤلاء لا يلحقهم لوم ولا عتب، وأن لهم من المنزلة والمكانة أضعاف أضعاف ما كان قبل ذلك، ويقول لهم مثل هذه القضايا يقع فيها من الاجتهاد فمن كان مجتهداً في طلب الصواب فهو مأجور، والله -عز وجل- يغفر له خطأه، ويقول: في مثل هذه المحن يحصل أشياء من نزغات الشيطان، فينبغي أن نترفع عن هذه الأشياء، وهذه أمور قد كثر فيها الكذب والمقالات المتنوعة، ويوصيهم ويذكرهم بقصة الإفك {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} [سورة النور: 11] وقد أظهر الله الحق وبيَّنه فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه عليِّ، أو ظلمه وعدوانه، فإني قد أحللت كل مسلم، وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي، والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي، وأما في حق الله فالله يتولى الجميع؛ إن شاء غفر لهم، وإن شاء عاقبهم، ولو كان أحد يشكر على سوء صنيعه لشكرت هؤلاء على سوء صنيعهم معي.

من منا يفعل هذا، من منا يتعامل مع الخصوم بهذه الطريقة، ولذلك كان ابن مخلوف وهو عدوه المالكي الذي ذكرته آنفاً يقول: ما رأينا مثل ابن تيمية ما تركنا شيئاً في السعي فيه، ولما قدر علينا عفا عنا، وبهذا نستطيع أن نكسب قلوب الناس ونكسب قلوب الأعداء فضلاً عن الأصحاب والأصدقاء، وحينما يكون حول العالم أو طالب العلم أو الداعية مجموعة من طلابه وتلامذته فيتعامل معه بطريقة تنهبط فيها نفسه، ويتعلق بحظوظه النفسية الخاصة، فإن هؤلاء لا يمكن أن يستطيعوا أن يصبروا على الاستمرار والدوام معه، ولا يمكن أن ينتجوا عملاً تنتفع به الأمة، لأن هؤلاء سرعان ما ينفرط العقد ويتفرقون ويتحولون إلى أعداء يكاشرونه بالعداوة.

ولم يقتصر إيذاء أهل البدع لشيخ الإسلام على ذلك بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- انفرد به بعض أهل البدع في ناحية من نواحي القاهرة وضربوه وشتموه، فتسامع الناس بذلك فخرج كثير من الأمراء والقادة والجنود والعامة والوجهاء يبحثون عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، فوجدوه في مسجد على البحر وتجمعوا عنده، وتتابع آخرون صاروا يتلاحقون ويتسامعون، فاجتمعوا عنده وقالوا له: يا سيدي قد جاء خلق من الحسينية لو أمرتهم أن يهدموا مصر كلها لفعلوا، ما قال لهم: نعم .. أنتم الذين تعرفون قدر علمائكم، ولا خير في أمة لا تعرف قدر علمائها، هؤلاء أهل بدع وضلالات أحرقوهم وأريحوا الناس منهم، ما قال هذا الكلام لأن القضية تتعلق بشخصه هو فماذا قال قال لهم: لأي شيء، قالوا: لأجلك، قال لهم: هذا ما يحق، قالوا: نحن نذهب إلى بيوت هؤلاء الذين آذوك - يعني لا نخرب الأحياء بكاملها بل نذهب إلى بيوتهم - فنقتلهم، ونخرب دورهم، فإنهم شوشوا على الناس -ولاحظ الملحظ الآخر الذي جاءوا من أجله-، في البداية الانتصار لشيخ الإسلام فرفض، ثم أعادوا الكرة بثوب آخر أنهم أثاروا فتنة وشوشوا على الناس فقال: هذا ما يحل، فقالوا: فهذا الذي فعلوه لك هل يحل؟، هذا شيء لا نصبر عليه، ولابد أن نذهب إليهم، ونقاتلهم على ما فعلوا، فكان ينهاهم ويزجرهم عن ذلك، فلما أكثروا عليه قال: إما أن يكون الحق لي، أو لكم، أو لله، فإن كان الحق لي فهم في حل، وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني، ولم تستفتوني فافعلوا ما شئتم، وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه كيف شاء، فقالوا له: هذا الذي فعلوا بك هل هو حلال؟ قال: هذا الذي فعلوه قد يكونوا مثابين عليه مأجورين فيه، قالوا: فتكون أنت على الباطل، وهم على الحق، كيف تقول إنهم يأجرون على ذلك؟ فقال: ما الأمر كما تزعمون فإنهم قد يكونوا مجتهدين مخطئين، ففعلوا ذلك باجتهادهم، والمجتهد المخطئ له أجر، -أناس يضربونه ويشتمونه ويؤذونه ببدنه، وهم من أهل الضلالات والأهواء والبدع، ويقول: إنهم قد يؤجرون، فأين نحن من مثل هؤلاء؟ -، بل خرج عليه رجل من هؤلاء المبتدعة متفقه فانفرد بشيخ الإسلام في محلة وناحية لم يكن هناك أحد، فأساء الأدب إلى شيخ الإسلام وأسمعه ما يكره وشتمه، فعلم الناس بذلك، وبدؤوا يأتون لشيخ الإسلام يريدون الانتصار له، فسمع ذلك الرجل، فبدأ يتلطف ويرسل الوسائط يظن أن شيخ الإسلام سينتصر لنفسه، فكان شيخ الإسلام يرد بعبارة مختصرة يقول: أنا ما أنتصر لنفسي، يعني دعوا هذا الرجل يطمئن ويرتاح، وينام قرير العين، فإني لا أنتصر لنفسي، وهؤلاء قوم يختلف معهم شيخ الإسلام في مسائل تتعلق بالعقيدة والمنهج كما يقال، أما الخلاف في المسائل الفرعية فهذا يكون الحكم فيه كما سبق: سعة الصدر وهو أحرى بذلك وأولى لأن الخلاف في المسائل العلمية الاجتهادية الفرعية أمر سائغ، ولا يلحق المخالف فيه تضليل ولا تبديع، ولا ينسب إلى هوى إذا كان يقصد الحق، والناس طالما اختلفوا في مسائل الاجتهاد، ولكن أصحاب النفوس الصغيرة لربما احتدم النقاش معه فصار يلقاك بوجه آخر، وابتسامة مائلة من شق واحد، يضمر لك ضغينة، ويحمل عليك في نفسه لأنه قد اختلف معك في مسألة من مسائل الفروع.

الإمام الحافظ محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله تعالى-:

هذا الشافعي -رحمه الله- يقول عنه يونس الصدفي: ناظرته يوماً وهو يصفه بقوله ما رأيت أعقل من الشافعي ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة.

يتبع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير