تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذلك وجهاً لعذر - يعني أنت قدَّرت له عذراً - فاقبل منه، وإن لم تر له عذر فقل له: ماذا أردت بما بلغني عنك؟ ماذا أردت بهذا الكلام الذي قلته في هذا المجلس؟ فإن ذكر ماله وجه من العذر فاقبل منه، وإن لم تر له لذلك وجهاً من العذر، وضاق عليك المسلك فحينئذٍ أثبتها عليه سيئة زلة، ثم ماذا؟ خطأ ثم أنت بعد ذلك بالخيار، إن شئت كافأته بمثله من غير زيادة، وإن شئت عفوت عنه، والعفو أقرب للتقوى، وأبلغ في الكرم لقول الله -عز وجل-: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [سورة الشورى: 40] فإن نازعتك نفسك بالمكافأة ففكر فيما سبق له لديك من الإحسان فعُدَّها، ثم ابدر له إحساناً لهذه السيئة، ولا تبخسن باقي إحسانه الثالت بهذه السيئة فإن ذلك الظلم بعينه.

(لعل القائل هو الإمام الشافعي يوصي بذلك يونس الصدفي): يا يونس، إذا كان لك صديق فشد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب، ومفارقته سهل.

والمشكلة أيها الإخوة أحياناً أن الإنسان يحمل الكلام على أسوأ المحامل، والطرف الآخر لم يعلم بذلك، وهو خالي القلب تماماً، ولم يخطر له على بال هذه الظنون الأخرى التي ذهب بها فلان؛ ولربما تقطع ذاك غيظاً وحنقاً ولم يبت تلك الليلة، والآخر لم يفكر في شيء من ذلك لا في قليل ولا في كثير، نيته سالمة صحيحة لم يقصد الإساءة، والناس يتفاوتون في هذا، فمنهم من قد يحمل الإحسان -نسأل الله العافية- إلى إساءة، والكلمة الطيبة إلى جرح، ومنهم من يحمل الكلام الموهم والمحتمل إلى المحامل السيئة، ومنهم من يحمل الكلام الرديء على أحسن المحامل، والله -عز وجل- قد فاوت بين الخلق، فكما وزع بينهم الأرزاق وزع بينهم الأخلاق، وقد صدق رجاء بن حيوة -رحمه الله- حينما قال: " مَنْ لمْ يؤاخِ إلا مَنْ لا عَيْبَ فِيهِ قَلَّ صَدِيقُهُ، ومن لم يرض من صديقه إلا بالإخلاص له دام سخطه، ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه "، والإنسان ظلوم جهول، ولابد أن تصدر منه أخطاء وتقصير، فإذا كان ينقر معك على كل قضية وكل كلمة وكل تصرف فهذا لاشك أنه أمر صعب جداً أيها الأخوان، سل نفسك ما موقفك ممن وشا بك وشاية سيئة سعى فيك وأراد الإيقاع بك والإساءة إليك ما موقفك منه هذه صفية أم المؤمنين لها جارية ذهبت إلى عمر متبرعة بوشاية وفرية صفية بنت حيي كانت من اليهود وأسلمت وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي من أمهات المؤمنين ففي خلافة عمر ذهبت جارية لها إلى عمر تتبرع بوشاية تقول إن صفية تحب السبت وتصل اليهود هذه تهمة وهذه التهمة تعني ما خلاصته أنها لا زالت تحتفظ بلوثة يهودية السبت هو يوم اليهود عيد اليهود فمعنى ذلك أنها تعظمه بلوثة ورواسب بقيت في نفسها تحب السبت وتصل اليهود فعمر رضي الله عنه لم يعجل عليها ولم يقبل هذه الوشاية على أنها حقيقة ثابتة استدعى صفية وسألها عن ذلك فقالت أما السبت فلم أحبه منذ أن أبدلني الله به الجمعة وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً فأنا أصلها ثم قالت للجارية ما حملك على ما صنعتي لماذا فعلت ذلك ما تفرغت بعد ذلك للجارية وأرادت أن تصفي الحساب معها قالت ما حملك على ذلك قالت الشيطان قالت اذهبي فأنت حرة انتهى كل شيء انتهت المشكلة، وسل نفسك لو أنك رجعت إلى بيتك ووجدت أن البيت قد كسر، وأن المتاع قد سرق، أو وضعت يدك في جيبك فوجدت أن ما تحتفظ به من نقود وأوراق ووثائق قد نشلت وسرقت، أو خرجت إلى سيارتك فإذا هي قد كسرت وأخذ ما بها، ونثر زجاجها على قارعة الطريق، ماذا تصنع؟ هل تدعو على هذا الفاعل السارق المجرم بأن يشل الله يده ورجله، ويأخذ بصره وسمعه، ويجمد الدم في عروقه، وأن يجعله يتمنى الموت ثم لا يجده، هكذا نفعل أحياناً، أما ابن مسعود ومن كان على شاكلته من أصحاب النفوس الكبيرة فلم يكن يصنع ذلك، خرج من بيته، ووضع النقود في طية من طيات عمامته، وجلس عند بائع فاشترى منه طعاماً، ثم قال بيده هكذا: فوجد أن النقود قد سرقت، فقال ابن مسعود: لقد جلست وإنها لمعي (استغرب وفوجئ)، فتجمع مجموعة من الناس كالعادة لمناصرته والتفاعل معه، وإبداء المشاعر والأحاسيس التي يوافقونه، أو التي يواسونه بهذا المصاب الذي وقع له، فجعلوا يدعون على هذا السارق، اللهم اقطع يد السارق الذي أخذها، اللهم افعل به كذا، اللهم افعل به كذا،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير