تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجلس كل واحد منهم يدعو، أما ابن مسعود فقال: " اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه " فليس فيها لا اقطع يده ولا رجله، ولا شل أركانه، ولا خذ بصره وسمعه، ولا اجعله يتمنى الموت ولا يجده، ولا تجميد الدم في العروق، ولا شيء من ذلك إطلاقاً، دعا له بهذه الدعوات الطيبة، دعا له ولم يدع عليه، فما موقفك لو أنك دخلت أو خرجت فصادفك إنسان لم يحفظ لك حقاً، ولم يراع لك حرمة، فوجه إليك سهماً من لسانه فشتمك وأسمعك ما تكره ماذا تصنع؟ ترد عليه بالمثل فتنتقم، ويتحول إلى عدو، إن أصحاب النفوس الكبيرة في هذا الموقف يتذكرون قول الله -عز وجل-: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [سورة فصلت: 34] فهذا شعارهم.

زين العابدين علي بن الحسين -رحمه الله تعالى-:

ريحانة العابدين زين العابدين علي بن الحسين -رحمه الله- من أكابر التابعين، كان في مجلسه وعنده أصحابه من العلماء والأشراف والوجهاء وجميع طبقات المجتمع في مجلس حافل لأنه رجل عالم وهو أبو الفقراء، يصدع للناس في نوائبهم، فكان جالساً وكان بينه وبين بن عم له وهو حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب شيء مما يكون بين الناس، فلم يتمالك حسن بن حسن نفسه، وخرج عن طوره، وجاء يبحث عن زين العابدين، فوجده جالساً مع أصحابه في المسجد، فجاء إليه وما ترك شيئاً إلا قاله في حقه من الشتم وقبيح القول، وعلي بن الحسين ساكت لا يرد بشيء، فلما تشفى منه انصرف، ثم ذهب علي بن الحسين بعد أن أكمل مجلسه إلى بيته، فلما كان الليل ذهب زين العابدين إلى بيت حسن بن حسن، وفي مثل هذه المواقف المتوقع أنه يخفي تحت ثيابه ما يؤدبه به، لكنه لم يفعل شيئاً من ذلك، بل جاء إلى بيته، وطرق عليه الباب، فلما خرج حسن بن حسن قال له: يا أخي إن كنت صادقاً فيما قلت فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك، السلام عليكم، وتركه، فهشمت هذه الكلمات العداوة المستحكمة في نفس حسن بن حسن، ولم يتمالك مشاعره، فتحولت مشاعر العداوة والبغض والكراهية والغضب إلى مشاعر أخرى معاكسة، فجعل يتبعه ويجري خلفه، والتزمه من خلفه، وجعل يبكي حتى رثي له، ثم قال: لا جرم لا عدت في أمر تكرهه، فقال له علي بن الحسين: وأنت في حل مما قلت لي.

في ليلتها لم يذهب ليتكلم ويبحث عن فرص الانتقام، فهل تفعل ذلك إن جاءك إنسان وشتمك وكنت في مجلس مناسبة أو في صالة أفراح فتسلط عليك إنسان، وأسمعك قبيح القول، فما موقفك من هذا الإنسان، إن كنت من أصحاب النفوس الكبيرة فستتجاوز النفس، ولهذا كان بعضهم يقول لمن يشتمه، ويبالغ في شتمه: يا هذا لا تفرط في شتمنا، وأبق للصلح موضعاً، فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.

الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى-:لو أن إنساناً اعتدى عليك مباشرة بالضرب، أو الجرح، أو حاول قتلك، أو دس لك السم، أو غير ذلك، فكيف تصنع معه؟

عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- خامس الخلفاء الراشدين مرض مرض الوفاة، وسأل مجاهداً قال: ما يقول الناس في مرضي؟ قال: يقولون مسحور، قال: لا، ثم دعا غلاماً قال: ويحك ما حملك على أن سقيتني السم، يريد أن يبين له السبب؟ فقال: ألف دينار أعطيتها، وأن أعتق، فقال: هاتها فأخذها، ووضعها في بيت المال، ثم قال له: اذهب فأنت حر، لا يراك أحد.

هذا سم الخليفة، ويعرف أنه هو الذي فعل هذا، واعترف فماذا صنع به؟، قال له: اذهب فأنت حر.

الإمام مالك بن أنس -رحمه الله تعالى-:

والإمام مالك -رحمه الله- ضرب وجلد حتى تخلعت يداه، وكان يصلي مسبل اليدين لما يجد من الألم، فلما جاء المنصور الخليفة العباسي وحج، وجاء إلى المدينة أراد أن يتجمل عند الإمام مالك، فطلب من الإمام مالك أن يقتص ممن حبسه وضربه وهو جعفر بن سليمان، فماذا قال الإمام مالك؟ هل قال: فرصة لا يمكن أن تضيع؟ لا، بل قال: معاذ الله، ما قال هذا واحد من الظلمة نقتص منه ونؤدبه، لا بل قال معاذ الله

الكبير لا ينتقم لنفسه ولهذا ما انتقم النبي -صلى الله عليه وسلم- لنفسه قط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير