تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أخرج الشيخان من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: " كأني أنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يحكي نبياً من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" (2)، ولو ضربك أحد من المدعوين فأدماك ماذا تقول عنه؟ تدعو عليه، تلعنه، تضربه، لكن انظر إلى قول هذا النبي: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

أنت أيها المسؤول، أيها المدير في المدرسة أو في الشركة؛ إذا جاءك أحد المراجعين وتكلم بنفس مشحونة، وبلغة مستعلية، يتكلم معك كأنك أجير عنده، فكيف تصنع؟

جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فجذب ردائه حتى أثر في رقبته يقول: "أعطني فإنك لا تعطيني من مال أبيك ولا أمك"، وهذه لو قالها لأحد غير النبي -صلى الله عليه وسلم- لسبقه رأسه قبل أن يكمل هذه الأحرف، فماذا صنع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ هل عاداه واتخذ منه موقفاً؟ لا .. أبداً بل أعطاه وأعطاه وأعطاه حتى رضي، وهذه أخلاق الأنبياء.

نحن -أيها الإخوة- في هذا المسجد، يا معاشر المصلين: لو أن أحد الأطفال الموجودين الآن وقف على هذه الطاولة وجلس يتبول -أعزكم الله-، أو جاء رجل كبير وذهب إلى ناحية المسجد الآن وجلس يتبول، ماذا سنصنع به؟

إنه لن يدري هو في يد من -نسأل الله العافية-، هذا يضربه، وهذا يلعنه، والذي لا يستطيع الوصول إليه يتابع له السب والشتم؛ ويرشقه بقبيح القول، جاء رجل إلى المسجد والنبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه، وعمد إلى ناحية من نواحي المسجد وشج يبول، وما وجد مكاناً إلا المسجد، فنهره الصحابة، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تزرموه)) -أي لا تقطعوا عليه البول لئلا يتضرر- ثم دعا بذنوب من ماء فصب عليه، ثم علمه وقال: ((هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من أذى الناس)) (3) لقد انتهت المشكلة وما أصابه ضرب ولا داسوه بالأقدام، ولا سحبوه برجله وأخرجوه من المسجد، ولا حبسوه ولا فعلوا له شيء آخر، إنما قيل له ((لا يصلح فيها شيء من أذى الناس) فمثل هذا الإنسان يملك قلبه بهذا يقول: "بأبي هو وأمي، والله ما قهرني ولا نهرني، وما رأيت معلماً مثله"، فهل نحن كذلك مع الطلاب ومع المدعوين؟ ومع المصلين؟

تخيل لو أن الإمام في مسجده تأخر في السجود ثم رفعتم رؤوسكم فرأيتم أطفال الإمام فوق ظهره يلعبون، ماذا ستقولون للإمام؟ وماذا ستقولون لهؤلاء الأطفال؟ بعدما تُسمِعُوا هذا الإمام ما يكره؛ تذهبون زرافات ووحداناً إلى الأوقاف ليفصلوا هذا الإمام ويؤدبوه، يأتي بأطفاله ويلعبوا فوق ظهره وهو يصلي في المحراب في الروضة، ما وجدوا شيئاً يلعبون به ويلتهون إلا هذا، ولقد تأخر النبي -صلى الله عليه وسلم- في السجود، فرفع بعضهم رأسه فوجد الحسن أو الحسين على ظهره -صلى الله عليه وسلم-، فلما فرغ النبي -صلى الله عليه وسلم- من صلاته بيَّن لهم سبب التأخر، وقال: إن ابني قد ارتحلني -أي جعلني راحلة- (فكان الولد يلعب فوق ظهر النبي -صلى الله عليه وسلم-) فكرهت أن أعجله -كره أن يستعجل على هذا الولد-، ونحن مباشرة إذا رأينا طفلاً تحرك حركة بسيطة قلنا: "جنبوا صبيانكم ومجانينكم المساجد"، وهو حديث لا يصح فلا أصل له، وبدا الأب لهذا الطفل وجهه يحمر ويصفر، وقد تكون عنده ظروف، وقد يكون في حالة يرثى لها فيحتاج إلى مواساة، وقد تكون أمهم في حالٍ من المرض، فخرج بهم، قد يكون هذه الأم تعيش مشكلة أزمة نفسية فخرج بهؤلاء الأطفال عنها، ثم نحن نصنع به ذلك!!

ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ذات يوم يخطب على المنبر، فنزل من المنبر لما خرج الحسن أو الحسين إلى المسجد وكان يقوم ويقع ويخب في ثوب أحمر، فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- وقطع الخطبة وضمه إليه، وحمله وذهب به إلى المنبر، وقال: ((صدق الله، إنما أموالكم وأولادكم فتنة، لما رأيت ابني هذا يقوم ويقع لم أحتمل حتى احتملته)) (4) أو كما قال - عليه الصلاة والسلام -، ولو فعلها الإمام والخطيب يوم الجمعة وأخذ ولد ابنته وحمله بهذه الطريقة فماذا كنا فاعلين؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير