تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لربما قال قائل كلاماً لا يليق، لما غلب على نفوسنا من المشاحة في هذه الأمور، وبعض الرواسب من الأخلاق السيئة، والعلو الزائد على المرأة، ومعاملتها أحياناً معاملةً بشيء من الأنفة منها، قصعة بقصعة، وطعام بطعام، وانتهت المشكلة، وما رجع إليها، وما ضربها، وما طلقها، وما هجرها، انتهت المشكلة على هذا الأساس.

وأنت أيتها المرأة إذا صدرت من الزوج كلمة هل تحسبينها له في ملف وسجل ثم لا تنسين هذه الإساءة والخطأ؟ وإذا كان لكِ خادمة، أو أنت أيها الرجل كان لك سائق خادم فأخطأ في حقك وقصر، فلو كسرت الخادمة إناءً كيف تصنعين بها؟ هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث ابن عمر -رضي الله عنه- جاءه رجل فقال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه فصمت، فلما كان الثالثة قال: ((اعف عنه في كل يوم سبعين مرة)) (7) الحديث أخرجه أبو داود وإسناده صحيح كما قال الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله-، كم نعفو عن الخادمة في اليوم الواحد أو في السنة؟ كم نعفو عن السائق في السنة، ولو جاءك السائق وقد صدم في السيارة ووجهه يتقلب خوفاً منك، ماذا تصنع به؟ ضرب ومجازاة، ثم يدفع هذا الفقير من رواتبه - وما هذه الرواتب - قيمة هذه الجناية، وهذا ابن عون -رحمه الله تعالى- كان من العلماء وكان له ناقة جيدة تعجبه يحج عليها ويغزو عليها، فأرسل عليها خادماً رقيقاً له يستقي الماء، وكان في الخادم شيء من الرعونة والصلافة، فجعل يضربها على وجهها حتى سالت عينها على خدها، فلما رآها الناس قالوا: الآن تظهر أخلاق ابن عون، الآن يتضح معدنه، فلما جيء بالناقة ومعها الخادم تسيل عينها على خدها، قال له: سبحان الله أفلا غير الوجه - هلا ضربتها في غير الوجه -، بارك الله فيك، اخرج عني، اشهدوا أنه حر.

والمرأة المسلمة إن كان لها ضرائر، وكان للرجل زوجات أخر، فهل تعيش في أحقاد وعداوات وضغائن ولا تنام الليل؟ تبيت مفكرة في كل كلمة قيلت لها، هذه أم المؤمنين أم حبيبة - رضي الله عنها - عند موتها دعت عائشة وقالت: قد يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك، فقالت عائشة: غفر الله لك ذلك كله، وحللك من ذلك، فقالت: سررتني سرك الله، وأرسلت إلى أم سلمة فقالت مثل ذلك. وبعد أيها الإخوة: فهل نتحلى بهذه الأخلاق أخلاق الكبار؟ لا أقول أخلاق كبار السن بل أخلاق كبار النفوس، هل نحن كذلك؟ الأمر كما قيل:

ليس الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر انتقم، ولكن الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر عفا، فلماذا لا نغير من أنفسنا، ونحن نستحسن هذه الأوصاف والأخلاق؟ لماذا لا نعزم من هذه اللحظة أن نرجع لأهلنا بوجه جديد، هل نسمع نحن لمجرد السماع والفكاهة والتسلية -معاذ الله-، أضف إلى ذلك ما يحصل بسبب هذه الخلة من الآثار الحميدة من اجتماع الكلمة، وتأليف القلوب {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [سورة آل عمران: 159]، وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الخلق ينفضون من حوله لو كان صلفاً على أصحابه، وأمر الله بالعفو والإحسان والصفح، أضف إلى ذلك ما يحصل لك من الثواب، وأنت ترجو ما عند الله -عز وجل- والله يقول: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [سورة الشورى: 40]، ويقول: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة آل عمران: 133] ثم ذكر أوصافهم إلى أن قال: {أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [سورة آل عمران: 136]، ومن أوصافهم أنهم يكظمون الغيظ {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [سورة آل عمران: 134] والله يقول: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَة} لا يأتل: لا يحلف ويمتنع أولو الفضل منكم وهم أصحاب المراتب العالية، والسعة وهم أصحاب الغنى والمال {أَن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير