تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي حديث العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله إني أريد أن امتدحك، فقال: (قل لا يفضض الله فاك) (1)، ثم أنشده الأبيات القافية.

ومثل هذا: لاعدمتك، ولا ظفر حاسدوك.

ومن المناسب أن نشير إلى أن الفعل (زال) المفيد للاستمرار، يترشح للدعاء إذا سبقه (لا) كقول ذي الرمة:

ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلاً بجرعائك القطر

ومن المفيد أن أشير قبل الكلام على (انهلال القطر) في البيت، إلى أن صدر البيت قد حفل بنمط آخر من الدعاء، وذلك بالأمر في (يا اسلمي) والخطاب إلى (دار مي). يدعو أن تسلم على البلى، فلا ينال منها الزمان شيئاً.

أقول: واستعمال الأمر كثير في لغة الدعاء، ولعله أكثر سيرورة من الصيغ الأخرى، وهذا يعني أن (الأمر) قد خرج إلى الدعاء والالتماس، رغبة في شيء ينصرف إلى الخير حيناً، وإلى الشر حيناً آخر.

ويأتي في لوازم هذه الجمل الدعائية، أسلوب النداء المتمحض للدعاء كقولنا: اللهم انصرنا على الأعداء، وربنا اهدنا إلى سواء السبيل. وأنت واجد من هذا الأسلوب الشيء الكثير، مما حفلت به لغة التنزيل العزيز كما سنرى.

ولنعد إلى بيت ذي الرمة فنقول: إن دعاءه بانهلال القطر أسلوب درج عليه العرب في جاهليتهم وإسلامهم. وإن هذا الدعاء يكاد يكون أحياناً كالتحية، ألا ترى أن هذا يتحقق في قول النابغة:

نبئت نعما على الهجران عاتبة سقيا ورعيا العاتب الزاري

فإذا كان غيث (1) كان منه لهم سقي، وخصب، ثم رعي.

وليس قولهم: (رعاك الله) إلا مشيرة إلى هذا الأصل القديم، الذي هو الرعي للسائمة من الإبل وغيرها، فكأن قولهم: (رعاك الله) المراد بها (الرعاية) تلمح إلى دأب الرعاء مع إبلهم.

ومن الغيث قالوا: جادك الغيث، أي أصابك غيث جود، وهو العزيز.

والدعاء بالسقي كثير في الأدب القديم، قال جرير:

أتذكر إذ تودعنا سليمى بفرع بشامة سقي البشام

وقوله:

متى كان الخيام بذي طلوح سقيت الغيث أيتها الخيام

وليس اتفاقاً أن يجيء (الغوث) بمعنى النجدة، من (الغيث)، وهو الرحمة والخصب والخير والبركة، وهو غير (المطر) في هذه الخصوصية الدلالية.

قال الأصمعي: أخبرني أبو عمرو بن العلاء قال:

سمعت ذا الرمة يقول: قاتل الله أمة بني فلان ما أفصحها!

قلت لها: كيف كان المطر عندكم؟ فقالت: غثنا ما شئنا.

والمعنى: سقينا ما شئنا. وهكذا عدلت عن (المطر) في سؤال السائل إلى (الغيث).

وقد تأتي عبارة الدعاء مبدوءة بمصدر منصوب، كقولهم: سقيا ورعيا، وحمداً لك اللهم، وأهلاً وسهلاً، وغير هذا.

وقد يأتي أسلوب الدعاء رسماً من رسوم الأدب مما يقتضيه الظرف وحسن المعاشرة، ومن ذلك قولهم للمملك دعاء له:

(بالرفاء والبنين) أي بالالتئام والاتفاق وحسن الاجتماع.

قال ابن السكيت: وإن شئت كان معناه بالسكون والهدوء والطمأنينة، ففي الحالة الأولى، يكون الأصل (رفأ)، وفي حالة الثانية، يكون الأصل (رفا) آخره ألف من قولهم: رفوت الرجل إذا سكنته.

قالوا: رفأه ترفئة وترفيئاً: دعا له: قال له: بالرفاء والبنين.

وقالوا: رقح بمعنى رفأ. وفي الحديث: كان إذا رقح إنساناً قال: (بارك الله عليك).

ومن هذا الباب قولهم في الدعاء للعاطس: يرحمك الله.

وهو التسميت أي ذكر الله- عز وجل- على كل حال، وقيل: معناه هداك الله إلى السمت، وذلك لما في العاطس من الانزعاج والقلق.

وقد سمته إذا عطس فقال له: يرحمك الله، أخذ من السمت إلى الطريق والقصد، كأنه قصده بذلك الدعاء، أي جعلك الله على سمت حسن.

ومن هذا الباب أيضاً ما يقال للعاثر: حوجاً لك: أي سلامة.

ولما كان الحديث عن العاثر، فمن المفيد أن نشير إلى ما جاء في هذا من قولهم:

التعس: العثر، والتعس: أن لا ينتعش العاثر من عثرته، وأن ينكس في سفال.

قال أبو إسحق في قوله تعالى: (فتعساً لهم وأضل أعمالهم) (محمد:8)، يجوز أن يكون نصباً على معنى أتعسهم الله.

ويدعو الرجل على بعيره الجواد، إذا عثر فيقول: تعساً! فإذا كان غير جواد ولا نجيب، فعثر قال له: لعا.

وقد يجتزأ من (لعا) بقولهم: عا لك عاليا للدعاء بالإقالة، أنشد ابن الأعرابي:

أخاك الذي إن زلت النعل لم يقل: تعست، ولكن قال: عا لك عاليا

.....

وهذا رابط الكتاب إذا أردت قراءته كله بكل فصوله

كتاب شرف العربية ( http://www.islamweb.net/ver2/library/ummah_Book.php?lang=A&BookId=242&CatId=201)

ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[04 - 08 - 2005, 01:14 ص]ـ

جزاك الله خيرا أختي محبة العربية على هذه الدلالة

إلى الخير بهذا الموضوع ورابط الكتاب

وهو مما يحتاج إلى عودة وتأمل في القراءة

ـ[د. محمد الرحيلي]ــــــــ[04 - 08 - 2005, 04:00 ص]ـ

أحسنت أختي محبة العربية

وفي الحقيقة هذا الفصل الرائع للدكتور إبراهيم السامرائي ـ رحمه الله ـ موجود أيضاً ضمن كتابه:

من أساليب القرآن

ويبدو أنّه هو الأصل، ثمَّ ضمنه كتاب: شرف العربيّة

وهو بحث ماتع، من علم بارزٍ من أعلام اللغة البارزين عليه رحمة الله

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير