تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبهذا يتبين لنا أن المدنية جزء من الحضارة، والمدنية هي ما ينقصنا في عصرنا الحاضر، فنحن في حاجة إلى مدنية تنضوي تحت حضارتنا العربية الإسلامية تتمثلها الأمة، حتى نرقى إلى مستوى الدول المتقدمة. وبهذا المفهوم الواعي للحضارة والمدنية ندرك أننا متخلفون مدنيا، لكننا متقدمون حضاريا. وبهذا نعرف مالنا وما علينا، فنسترد تلك الثقة التي تزعزعت في النفوس تجاه إمكانات الأمة العربية، إذ هي صاحبة حضارة لا تحتاج إلى تبديل فيها، أو تنازل عن معارفها وخبراتها التاريخية، وتراثها في العلوم والفنون والآداب والعادات والتقاليد. وتنحصر حاجتنا في المدنية، التي تعني اللحاق بالتقدم العلمي والتقني، وهو الأمر الذي تكون اللغات الأجنبية وسيلة من وسائله.

لماذا نتعلم اللغات الأجنبية؟

ومن هنا كان لزاما علينا تحديد أهدافنا من معرفة اللغات الأجنبية، وحصرها داخل حدودها المشروعة حتى لا تتجاوز نطاقها، فتطغى على لغتنا الأم، مما يؤدي إلى خلل في تكويننا اللغوي والفكري يستعصي معه الحل، ونعود بعد فوات الأوان نطالب بلون من ألوان التعريب! ولعل أبرز هذه الأهداف ما يلي:

1 - الدعوة الإسلامية عن طريق عرض مبادئ ديننا الإسلامي وتاريخنا على أبناء الأمم الأخرى، وذلك باللقاء المباشر بالشعوب الأخرى في بلادهم، وإنشاء المراكز الإسلامية، والتجمعات الدعوية في أنحاء المعمورة، مما يكون لبنات تشكل مع نموها أساسا لبناء عالم إسلامي واسع، يتخطى الحدود التي وصل إليها الإسلام في العصور السابقة. أو عن طريق تأليف الكتب في مجال العقيدة والتشريع بتلك اللغات الأجنبية وتوزيعها ليطلع كل البشر على هذا الدين، مما يعطي فرصة لا تعوض للدعوة بأيسر السبل وأقلها كلفة.

2 - المشاركة في نقل معارف الأمم الأخرى في مجالات العلوم التطبيقية بالذات، وذلك بترجمة مصادر العلوم ومراجعها الرئيسة إلى اللغة العربية، وعرضها أمام أبناء أمتنا بلغتهم ليتمكن كل راغب في هذا المجال التطبيقي أو غيره، أن يجد مراجع مادة تخصصه بلغته، فيتمثل هذه العلم، ويبدع فيه. وبهذا يصبح العلم متوطنا في ديارنا ليس غريبا عنا. ولن يكون ذلك إلا إذا تعلمنا العلم التطبيقي بالعربية وعلمناه بها. وغرسناه في العقل العربي لينمو ويزدهر في الأرض العربية. وقد أثبتت تجارب الأمم أن الاستيعاب الأمثل والإبداع الصحيح لايكون إلا باللغة الأم.

3 - تعريب المصطلحات العلمية عن طريق وضع أسماء عربية لمسميات أجنبية، وفي ذلك إسهام في توطين العلوم والمعارف الحديثة في الوطن العربي وجعل العلم التقني عربيا لا يحس بغربته أبناء الأمة عند إقبالهم عليه درسا وتحصيلا، مما يهيئ إلى نهضة إبداعية، تشارك العالم في الابتكار والاختراع، وفي هذا كله إثراء للحركة الدؤوب التي تهدف مواكبة المدنية، دون التخلي عن الهوية الحضارية العربية الإسلامية.

4 - العمل على نقل الأعمال الأدبية ذات الصبغة الإنسانية في تجاربها مما يؤدي إلى تلاقح للعقول والأفهام، وفي هذا إثراء للخيال العربي، وتعميق لتجارب الأدباء بخبرات لم يباشروها، وصقل لمواهبهم بالاطلاع على آداب الأمم الأخرى، مع ما في ذلك من الوقوف على نماذج إنسانية متنوعة. ولكن يجب الحرص على اختيار المتميز من الأعمال الأدبية ذات العمق في الفكر، والأصالة في الإبداع، والبعد عن الكتب الهزيلة، أو تلك التي تقترب من مفهوم الترف الذهني البحت. ومما يحسن التنبيه إليه أن الفكر الإنساني عامة يحمل اتجاهات متباينة ونظرات مختلفة للكون والحياة فيحسن بنا أن نختار منها ما لا يدعو إلى فكر ضال منحرف، أو توجه يخالف مبادئنا وعقيدتنا.

5 - خلق أجيال من المترجمين العرب المعتزين بلغتهم أولا، والعارفين بأسرار اللغات الأخرى للمشاركة في الترجمة الفورية والكتابية، من العربية وإليها، للعمل لدى الهيئات الدولية والإقليمية والإسلامية والعربية، لإعلاء اللسان العربي في المؤتمرات الدولية؛ حتى يستطيع المواطن العربي الاكتفاء بلغته لمتابعة ما يجري حوله من أحداث، مباشرة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير