طمأنت نفسي، جالس أنا بجوار الباب الخارجي، أحمل درعي (تذكرتي)
لا أدري ما السبب الذي جعلني أطير بذكرياتي إلى حكايات أبي الشتوية التي كان يقصها علينا على ضوء مصباح الكيروسين الشاحب، و نحن ملتفون حول (الطبلية)
يحكى فيما يحكى أن حمارا كان يركض في القرية كالمجنون، كمن يفر من وحش كاسر،لا يدري أين يختبأ،مترددا حائرا
تعجب الناس لأمره و لذلك سألوه عن السبب
:بتجري ليه يا حمار؟
قال: أصلهم بيدوروا على كل الخرفان اللي في البلد عشان يدبحوها
قالوا: طب هم بيدوروا على الخرفان،و انت دخلك إيه يا حمار؟
قال: ماهو على ما أثبت لهم إني حمار يكونوا دبحوني
عندها تقاذفتني الظنون بأنني إلى أن أثبت لهم أن معي تذكرتي أكون في خبر كان
تمتمت هامسا
: على ما أثبت لهم إني حمار يكونوا دبحوني
مال الجالس جواري هامس
: بتقول حاجة يا أستاذ؟
هززت رأسي بالنفي
بدأت أهتم بالخطة التي وضعها المجندين
وبدأت أناقشها بين وبين نفسي
فلقد اتضح لي مؤخرا أنني على نفس السفينة،و إما أن ننجو سويا و إما .........
حاولت منع هواجسي من تكملة (إما) الثانية
المهم الآن
يبدو أنهم يعرفون جيدا ما يفعلونه
و أعتقد أنهم مروا بمثل هذه المواقف مرارا من قبل
بدأ صوتهم ينخفض رويدا رويدا، وكلما انخفض صوتهم كلما زادت دقات قلبي سرعة
في هذه الأثناء بدأ القطار في التوقف، وبدأ كل منهم في أخذ موقعه
توقف القطار و توقف قلبي معه
الصمت يصم الآذان
انطفأ المصباح الوحيد الموجود بالغرفة
عندها عم الظلام غرفتنا
إلا من خيط ضوء أصفر متسرب من بين ثنايا الباب الخارجي يبدو أنه نابع من أعمدة الإنارة الموجودة بالخارج
سألت من بجواري
: هو النور قطع و الا إيه؟
جاءتني ركلة لا أعرف مصدرها، وهمس أحدهم (أعتقد أنه صاحب الركلة)
: هششششش
لم أنطق بعدها أبدا، حاولت حتى كتم أنفاسي المتلاحقة
لم أسمع إلا كونشرتو دقات قلبي والقلوب من حولي
شق الصمت صوتا أجش يأتي من الخارج
: صفا
صم أذني صوت اصطكاك نعال الأحذية الحديدية بالأرض، هزت الأرض من تحتي، تيقنت أنها نابعة من سرية كاملة ......... سرية؟ لا، لا، بل كتيبة من الجنود تبعتها هزة أخرى، أعتقد أنها نتيجة (انتباه) خرجت من نفس الصوت الأجش
بعدها دارت الدنيا بنا جميعا، همست لمن بجواري
: مش ممكن، أكيد فيه حاجة
رد يائسا: لأ، ممكن يا ناصح
:يعني إيه؟ الجيش اللي بره ده كله علشانا إحنا؟
: أمال عشان أمي؟
تلاحقت الحركات من حولي
أراني داخل دوامة من الظلام الدامس
شق الصمت صوت ضربات متلاحقة أعتقد أنها أصوات سلاسل حديدية تدق الأبواب من حولنا
اغتصب الباب عتلة حديدية تحاول فضه عنوة،لكن هيهات لم تفلح في كسره
فهناك بواسل من الصعب الاختراق من ناحيتهم الحصينة
وجدتني واقفا أحتضن حقيبتي المرعوبة، لا أدري أين أذهب
أكاد أسمع صوت اصطكاك ركبتي
مع الأسف انهارت المقاومة سريعا عند الباب الداخلي رغم محاولات البواسل في إرسال الإمدادات، لكنها وصلت متأخرة
انفتح الباب الداخلي
دخلت منه جحافل التتار أمواجا متلاحقة،
عمت الفوضى هنا وهناك
وجدتني واقفا أمام الباب الخارجي نحاول جاهدين فتحه للفرار سريعا
تخترق أذني أصوات سلاسل حديدية تلتهم الجماجم من ورائي
نحاول سريعا فتح الباب مرت هذه الثواني سنينا طويلة
أسرعوا أيها البواسل فهنالك خلفي أربعة صفوف من الدروع البشرية بجماجمهم التي تتلقى عني نهم هذه السلاسل
بدأت الأحزمة تتهاوى من فوق مقبض الباب أمامي
فجأة
انفض الباب
خيط الفراغ الدقيق الذي كنت بالكاد أراه بين مصراعي الباب
أصبح شارعا من شوارع باريس
وجدتني أمام هوة سحيقة
لم أتحرك بإرادتي، فأمواج طوفان الفارين من المعركة اجتاحتني في طريقها
هويت من عل
ارتطم جسدي بالقضبان و ما بينها من عوارض خشبية
وجدتني مفترشا الأرض، غير قادر على الحراك
تلاحقت قفزات الفارين فوق ظهري، كلما حاولت جاهدا النهوض أعادتني قفزاتهم كما كنت،أخيرا استسلمت عنوة
شلت حركتي، لا أقو على النهوض
خيل إلي أن هناك من يستصرخني
حاولت رفع رأسي لأعلى تجاه الصوت
تراقصت الصورة أمام ناظري، بالكاد استبنت الوجوه الهلعة
كلهم يحاولون تحذيري من شيء ما
نظرت تجاه إشاراتهم
ضوءا قويا اغتصب عيناي
صوت بوقه محذرا اخترق أذني
دار كالبرق شريط أفكاري
¥