من المعروف جيِّدا لدى الباحثين [23] أنه لا بحث بدون منهج، ولا منهج بدون هدف. وهناك أساسيات لدى المشتغلين بالبحث العلمي، وهي أشبه ما تكون بالدستور العام، الذي يتضمن عددا من القواعد الكلية، التي بدونها لا يمكن وضع البحث أيّاً كان صاحبه في دائرة البحوث العلمية المحترمة.
ونحن الآن بصدد المناقشة لبعض الجوانب التي أغفلها الباحث المخلص الأستاذ أنور الجندي، رغم علو كعبه ورسوخ قدمه في الدراسات الأدبية والإسلامية بصفة عامة:
_ 1 _
إن أكبر ما يعاب به الباحث ألاّ يحيل القارئ على المراجع المتخصصة التي استقى منها مادته العلمية. ومؤلفنا ينقل عن العقاد ما يقرب عن صفحة كاملة (ص184) من كتابه دون أن يقول لنا من أين استقى كلام العقاد هذا، لعل القارئ يبغي الاستزادة أو الرجوع إلى الأصل المنقول عنه.
وينقل مثل هذا عن السيد محب الدين الخطيب (ص185) دون ذكر المرجع ومثل هذا كثير في كتابه، إذ يقول مثلا ص202: "وقد دمغه صديق عمره الأستاذ أحمد أمين بهذا التحول والتناقض حين قال في إحدى مقالاته .. " والسؤال هنا: أين، ومتى .. قال الأستاذ أحمد أمين ذلك؟؟.
_ 2 _
ومن المعروف أيضا في علم مناهج البحث، وفي علم مصطلح الحديث، أن عدم ذكر الراوي يضعف من صحة الرواية. ومن أجل هذا لا يمكن قبول مثل هذه العبارة التي أوردها المؤلف ص186:
"ويتفق هذا مع ما قاله بعض المقربين إليه: لا أدري الزيات، أم أحمد أمين أم غيرهما .. "
إذا كنت لا تدري مصدر الخبر، فعلى أي أساس أوردته؟ ومثل ذلك قوله ص171:
"ويقول أحد الباحثين الأعلام .. " أحد الباحثين الأعلام، ولا ندري من هو؟ لماذا؟ هل يخجل أن يصرح لنا باسمه؟؟
_ 3 _
ومما يخدش منهج الباحث أن يذكر في صلب بحثه ما يجب أن يذكره في الحاشية. وهي مسألة يجب أن ينتبه إليها الباحثون أجمعهم، لأن ذلك يوقع الباحث في بلبلة وحيرة ويعطل الانتفاع المرجو من البحث بالطريقة العلمية المفيدة. فهو يقول في الصفحة الثانية بعد المائتين:
_ 4 _
"كتب الدكتور زكي مبارك في 11 نوفمبر 1932م في جريدة البلاغ تحت عنوان: الحديث ذو شجون". والمفروض أن يذكر المرجع وصاحبه وتاريخ في هامش الصفحة كما هو المتبع لدى الباحثين.
يقتضي منهج البحث الصحيح أن يقسّم الكتاب من الناحية الموضوعية تقسيما في غاية الدقة، بحيث يكون أشبه بالبناء الهندسي المتماسك، الذي يرتبط بعضه ببعض في قوة وإحكام، وذلك يقتضي ألا يكون فيه تكرار، ولا يحدث في مادته العلمية تداخل، ولكننا نجد المؤلف يكرر الكثير من العبارات في أجزاء مختلفة من الكتاب لأدنى ملابسة، وكان يكفي الإشارة إلى موضعها من الكتاب نفسه. وهذه أمثلة مكررة:
- اتهام طه حسين للمتنبي بأنه لقيط صفحات 213، 215.
- مبالغة طه حسين في حديثه عن ديكارت 216، 189، 208.
- إنكار الدكتور الوجود التاريخي لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام صفحات 6، 209، 220، 255.
- تشكيكه في فضل النسب الشريف صفحات 175، 220.
- تقرير لجنة الأزهر المشكَّلة لدراسة كتاب الشعر الجاهلي صفحات 176، 221.
- تقليد العقاد إمارة الشعر ثم نكران ذلك صفحات 189، 252.
- رأي العقاد في طريقة البحث عند طه حسين صفحات 185، 201.
- رأي د. عمر فروخ في أسلوب الدكتور صفحات 201، 207.
- أقوال تكررت نسبتها إلى د. إسماعيل أدهم، وفتحي غانم، وعبد الحميد السحار، ومحمود مراد صفحات 198، 258.
_ 5 _
من المعروف جيدا لدى الباحثين أن كل باحث مسئول عن الآراء و العبارات التي ينقلها عن غيره. كما أن سكوته عنها معناه أنه موافق على ما جاء فيها من ناحية الشكل ومن ناحية المضمون كذلك.
وقد جرت العادة أن يعلق الباحث على ما ينقله من آراء لغيره، وقد يكون هذا التعليق في صورة تصحيح لبعض المعلومات الواردة، في النص المنقول، أو اعتراض مصحوب بالدليل على أجزاء منه، أو استكمال لنقص ورد فيه من الناحية العلمية أو الموضوعية البحتة، أو تصحيح لبعض الأخطاء المطبعية أو الإملائية أو النحوية بالفقرة موضع الاستشهاد.
و قد نقل مؤلف الكتاب عددا من النصوص التي وجدت فيها بعض الأخطاء، وكانت الأمانة العلمية تقتضي تصويب هذه الأخطاء، أو التعليق عليها بما يفيد إدراك المؤلف لموضع الخطأ فيها.
¥