تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَإِنْ كَانَ الْمَبْذُولُ كَثِيرًا وَالْعَبْدُ مُطِيعٌ لِلَّهِ: فَهُوَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يحوجه إلَى ذَلِكَ الْمَبْذُولِ الْكَثِيرِ؛ فَلَيْسَ النَّذْرُ سَبَبًا لِحُصُولِ مَطْلُوبِهِ كَالدُّعَاءِ فَإِنَّ الدُّعَاءَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَسْبَابًا لِحُصُولِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ إذَا فَعَلَهَا الْعَبْدُ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ لَا يَجْلِبُ مَنْفَعَةً وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ مَضَرَّةً لَكِنَّهُ كَانَ بَخِيلًا فَلَمَّا نَذَرَ لَزِمَهُ ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَسْتَخْرِجُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْبَخِيلِ فَيُعْطِي عَلَى النَّذْرِ مَا لَمْ يَكُنْ يُعْطِيهِ بِدُونِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَم.

ص427:

وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ؛ فَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ أَوْ قَادِرًا عَلَيْهِ بِتَفْوِيتِ مَا هُوَ فِيهِ أَطْوَعُ لِلَّهِ مِنْ الْكَسْبِ؛ فَفِعْلُ مَا هُوَ فِيهِ أَطْوَعُ هُوَ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّهِ، وَهَذَا يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ أَحْوَالِ النَّاسِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَفْضَلَ يَتَنَوَّعُ " تَارَةً " بِحَسَبِ أَجْنَاسِ الْعِبَادَاتِ؛ كَمَا أَنَّ جِنْسَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الْقِرَاءَةِ، وَجِنْسَ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الذِّكْرِ، وَجِنْسَ الذِّكْرِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ.

و " تَارَةً " يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ كَمَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ هُوَ الْمَشْرُوعُ دُونَ الصَّلَاةِ.

و " تَارَةً " بِاخْتِلَافِ عَمَلِ الْإِنْسَانِ الظَّاهِرِ كَمَا أَنَّ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ هُوَ الْمَشْرُوعُ دُونَ الْقِرَاءَةِ وَكَذَلِكَ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ فِي الطَّوَافِ مَشْرُوعٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي الطَّوَافِ فَفِيهَا نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ.

و " تَارَةً " بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ: كَمَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَعِنْدَ الْجِمَارِ وَعِنْدَ الصَّفَا والمروة هُوَ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ دُونَ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ لِلْوَارِدِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ لِلْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ.

وَ " تَارَةً " بِاخْتِلَافِ مَرْتَبَةِ جِنْسِ الْعِبَادَةِ: فَالْجِهَادُ لِلرِّجَالِ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَجِهَادُهُنَّ الْحَجُّ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَزَوِّجَةُ طَاعَتُهَا لِزَوْجِهَا أَفْضَلُ مِنْ طَاعَتِهَا لِأَبَوَيْهَا؛ بِخِلَافِ الْأَيِّمَةِ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِطَاعَةِ أَبَوَيْهَا.

و " تَارَةً " يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ وَعَجْزِهِ: فَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ مِمَّا يَعْجِزُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ أَفْضَلَ وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ يَغْلُو فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَيَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ.

فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ لِمُنَاسَبَةِ لَهُ وَلِكَوْنِهِ أَنْفَع لِقَلْبِهِ وَأَطْوَع لِرَبِّهِ = يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَفْضَلَ لِجَمِيعِ النَّاسِ وَيَأْمُرَهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ! وَاَللَّهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ وَهَدْيًا لَهُمْ يَأْمُرُ كُلَّ إنْسَانٍ بِمَا هُوَ أَصْلَحُ لَهُ فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ نَاصِحًا لِلْمُسْلِمِينَ يَقْصِدُ لِكُلِّ إنْسَانٍ مَا هُوَ أَصْلَحُ لَهُ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير