[شرح القرطبي، أبي العباس لحديث كريب عن ابن عباس في رؤيه الهلال عند تباعد البلاد]
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[08 Oct 2006, 08:03 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة و هداية للعالمين و على آله و صحبه أجمعين أما بعد
فقد اختلف الناس – خاصتهم قبل عامتهم – في مشروعية ما سمي ب " توحيد رؤية الأهلة " - بجعل رؤية أهل بلد الهلال (و بخاصة هلال شهر رمضان) رؤية معتبرة شرعا لأهل غيره مما تباعد عنه من البلاد؛ لتوحيد يوم بدء الصوم في كل الأقطار الإسلامية التي تشترك معه في جزء من الليل - و هو ما لا اعتبار له من جهة الشرع، لمخالفته النص الصحيح و الإجماع الصريح، على ما قاله الإمام أبي العباس القرطبي فيما سننقله عنه من كتابه " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم "، و ذلك في شرحه حديث كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما، و الذي أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " في:
(باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم، و أنهم إذا رؤا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم):
(حدثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وبن حجر قال يحيى بن يحيى أخبرنا وقال الآخرون حدثنا إسماعيل وهو بن جعفر عن محمد وهو بن أبي حرملة عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقلت رأيناه ليلة الجمعة فقال أنت رأيته فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقلت أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه فقال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشك يحيى بن يحيى في نكتفي أو تكتفي).
* * *
* قال الإمام أبو العباس القرطبي في " المفهم " في شرحه الحديث المذكور:
((و قول ابن عباس: (فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، ثم قال في آخره: (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم): تصريح برفع ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم، و بأمره به.فهو حجة على أن البلاد إذا تباعدت كتباعد الشام من الحجاز أو ما قارب ذلك، فالواجب على أهل كل بلد أن تعمل على رؤيته دون رؤية غيره،
و إن ثبت ذلك عند الإمام الأعظم؛ ما لم يحمل الناس على ذلك فلا تجوز مخالفته؛ إذ المسألة اجتهادية مختلف فيها، و لا يبقى مع حكم الأمام اجتهاد، و لا تحل مخالفته.
ألا ترى أن معاوية أمير المؤمنين قد صام بالرؤية و صام الناس بها بالشام، ثم لم يلتفت ابن عباس [رضي الله عنهما] إلى ذلك، بل بقى على حكم رؤيته هو.
و وجه هذا يعرف من علم الهيئة [يعني: الفلك] و التعديل، و ذلك أنه يتبين فيها: أن ارتفاعات الأقاليم مختلفة؛ فتختلف مطالع الأهلة و مغاربها، فيطلع الهلال، و يغرب على قوم قبل طلوعه و غروبه على آخرين. و على هذا: فلا يظهر تأثير هذا إلا فيما بعد جدا، لا فيما قرب. و الله تعالى أعلم.
و إلى ذلك صار ابن عباس، و سالم، و القاسم، و عكرمة. و به قال إسحاق. و إليه أشار الترمذي؛ حيث بوّب (لأهل كل بلد رؤيتهم).
و حكى أبو عمر بن عبد البر: الإجماع على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلدان كالأندلس من خراسان،
قال: و لكل بلد رؤيتهم، إلا ما كان كالمصر الكبير، و ما تقاربت أقطاره من بلاد المسلمين)).
قلت [القرطبي]: و هذا الإجماع الذي حكاه أبو عمر يدل: على أن الخلاف الواقع في هذه المسألة إنما هو فيما تقارب من البلاد؛ و لم يكن في حكم القطر الواحد. و نحن نذكره إن شاء الله:
قال ابن المنذر: اختلف في الهلال يراه أهل بلد و لا يراه غيرهم:
فقال قوم: لأهل كل بلد رؤيتهم، و ذكر من تقدم ذكر أكثرهم.
و قال آخرون: إذا ثبت أن أهل بلد رأوه فعليهم قضاء ما أفطروا. و هو قول الليث، و الشافعي، و أحمد. و لا أعلم إلا قول المزني، و الكوفي.
¥