تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الفضيلة الذاتية]

ـ[ابن الشجري]ــــــــ[13 Oct 2006, 11:02 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان وله الحمد ثانيا بمحمد والقرآن وله الحمد ثالثا بشهر رمضان، وصلى الله علي خير من صلى وصام وقام لله الواحد الديان.

وبعد

فنحن في موسم عظيم من مواسم الجد في العبادة واغتنام ساعات العمر.

ولاشك أن تخصيص الأزمان الفاضلة بالاجتهاد في الطاعة أمر محمود انتهجه سلف هذه الأمة رحمهم الله، وهي مسألة لا اعتبار بخلاف من خالف فيها وأدرجها في البدع الإضافية، فكما أن هناك أماكن خصها الله بتشريف وتعظيم كبيته سبحانه ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم وغيرهما من الأماكن الفاضلة التي مستند تعظيمها الوحيين الشريفين أو أحدهما، فكذلك هنالك أوقات خصها الله تعالى بشرف الزمان، كليلة القدر والليال العشر ويومي عرفة والنحر وشهر رمضان وغيرها من الأزمان والأوقات الفاضلة التي تنبعث فيها همم الصالحين وتشمرعن ساعد الجد والاجتهاد في اغتنامها بكل عمل مشروع، وإن لرمضان لنفس تنبعث معه الهمم الشريفة للأعمال الفاضلة.

وكل مسلم أدرى بنفسه وبما يجدها فيه من قربة وطاعة فكل إنسان على نفسه بصيرة، وحيث يرى نشاط نفسه وانشراح صدره لأي باب من أبواب الخير والعمل الصالح، كل ذلك حسب طاقته وقدرته وانشراح صدره لما وفق له، فكل ميسر لما خلق له، والموفق من وفقه الله لمعرفة أبواب الخير وطرقها ولزوم أقربها إلى قدرته وانبعاث همته، وإنه لملحظ نفيس يجب على المسلم التفطن له والعناية به ومثله معدود في فقه النفس والأولويات والتمييز بين الصالح والأصلح ... ، فمن الناس من يفتح عليه في باب الصدقة والبذل والعطاء حتى خشي المأمون يوما أن لا يثاب على صدقة لما وجد من لذة ومسارعة في هذا العمل، وفي نفس الوقت قد يكون هناك مشمر في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس لديه همة الأول في البذل والعطاء، وآخر يجد من المعونة في قيام الليل والاستغفار بالأسحار مالا يجدها في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورابع يجد من الإقبال على العلم والتعليم والتعلم والتأليف مالا يجده في باب من أبواب الخير الأخرى ... ، فالكمال عزيز والنقص لازم ونية الخير قد تبلغ بالمؤمن مالا يبلغه بأعماله، وإذا شعر المؤمن بمعنى العبودية وأن العنت أمامه في كل ميدان يغفل فيه عن هذا المعنى وفق لباب من أبواب الخير يكون منبع سعادته وسروره في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، ورحم الله الإمام أحمد عندما سأله ابنه عبدالله أن يوصيه بوصية تنفعه فأجابه قائلا: يابني استكثر من نية الخير.!

وقبل الشروع في المقصود أود أن أنبه لوجوب التفرقة بين تخصيص هذه الأوقات الفاضلة بالاجتهاد في الطاعات والقربات المشروعة , وبين تخصيصها بإنشاء عبادة مشروعة في أصلها، فالأول كإطالة قيام الليل في شهر رمضان عن سائر الشهور لمن وفق لقيام الليل، وكإدامة تلاوة كتاب الله طيلة شهر رمضان كما كانت عادة السلف رحمهم الله فقد كان مالك رحمه الله إذا دخل رمضان لم يشتغل بغير المصحف.

وأما الثاني فكتخصيص ليلة سبع وعشرين من رمضان بعمرة مثلا , فهذه مسألة فيها نزاع بين أهل العلم، وكأن الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام يرى بدعية مثل هذا التخصيص، وتابعه في هذا بعض المعاصرين من أهل العلم.

والأمة لازالت بخير ماركبت ثبج سنة المطفى صلى الله عليه وسلم واقتفت أثره، وارتسمت خطاه وعلمت أن الخير في اقتفاء أثره ولزوم هديه، وأنت ترى كم يلحق أحدهم من العنت والمشقة عند الحيدة عن هذا الطريق، واجتهاده في باب من أبواب العبادة على غير هدى وبصيرة، كمن يأت في رمضان بأكثر من عمرة، فلربما اعتمر بعضهم عنه وعن كافة أسرته، والعجيب عند حلقه رأسه أو تقصيره تجد أنه يأخذ في كل عمرة جزء يسير من شعره تاركا الجزء المتبقي للعمرة التي تليها كما ذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله رؤيته لمثل هؤلاء، وهذا الفعل وإن كان لا يخلو من نية خير قد يثاب عليها كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله، إلا أن صاحبها قد أوقع نفسه في حرج وعنت ومشقة دخلت عليه من تركه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومادرج عليه أخيار الأمة وأعلامها النبلاء من سلفنا الصالح رحمهم الله، فلم يأت صلى الله عليه وسلم إلا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير