تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَوْ يَتْرُكُ وَاجِبًا تَرْكُهُ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ فِعْلِهِ مَعَ الشُّبْهَةِ كَمَنْ يَكُونُ عَلَى أَبِيهِ أَوْ عَلَيْهِ دُيُونٌ هُوَ مُطَالَبٌ بِهَا وَلَيْسَ لَهُ وَفَاءٌ إلَّا مِنْ مَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ فَيَتَوَرَّعُ عَنْهَا وَيَدَعُ ذِمَّتَهُ أَوْ ذِمَّةَ أَبِيهِ مُرْتَهِنَةً. [فهذا ورع غير مشروع]

وَكَذَلِكَ مِنْ " الْوَرَعِ " الِاحْتِيَاطُ بِفِعْلِ مَا يَشُكُّ فِي وُجُوبِهِ لَكِنْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

وَتَمَامُ " الْوَرَعِ " أَنْ يَعلم الْإِنْسَانَ خَيْرُ الْخَيْرَيْنِ وَشَرُّ الشَّرَّيْنِ، وَيَعْلَمَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ مَبْنَاهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا. وَإِلَّا فَمَنْ لَمْ يُوَازِنْ مَا فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَفْسَدَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَدْ يَدَعُ وَاجِبَاتٍ وَيَفْعَلُ مُحَرَّمَاتٍ. وَيَرَى ذَلِكَ مِنْ الْوَرَعِ؛ كَمَنْ يَدْعُ الْجِهَادَ مَعَ الْأُمَرَاءِ الظَّلَمَةِ وَيَرَى ذَلِكَ وَرَعًا وَيَدَعُ الْجُمْعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ فِيهِمْ بِدْعَةٌ أَوْ فُجُورٌ وَيَرَى ذَلِكَ مِنْ الْوَرَعِ وَيَمْتَنِعُ عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الصَّادِقِ وَأَخْذِ عِلْمِ الْعَالِمِ لِمَا فِي صَاحِبِهِ مِنْ بِدْعَةٍ خَفِيَّةٍ وَيَرَى تَرْكَ قَبُولِ سَمَاعِ هَذَا الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ سَمَاعُهُ مِنْ الْوَرَعِ!

وجاء في 615:

" الزُّهْدُ " هُوَ عَمَّا لَا يَنْفَعُ؛ إمَّا لِانْتِفَاءِ نَفْعِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ مَرْجُوحًا؛ لِأَنَّهُ مُفَوِّتٌ لِمَا هُوَ أَنْفَعُ مِنْهُ، أَوْ مُحَصِّلٌ لِمَا يَرْبُو ضَرَرُهُ عَلَى نَفْعِهِ.

وَأَمَّا الْمَنَافِعُ الْخَالِصَةُ أَوْ الرَّاجِحَةُ: فَالزُّهْدُ فِيهَا حُمْقٌ.

وَأَمَّا " الْوَرَعُ " فَإِنَّهُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا قَدْ يَضُرُّ فَتَدْخُلُ فِيهِ الْمُحَرَّمَاتُ وَالشُّبُهَاتُ لِأَنَّهَا قَدْ تَضُرُّ. فَإِنَّهُ مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَات اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَات وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ.

وَأَمَّا " الْوَرَعُ " عَمَّا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ أَوْ فِيهِ مَضَرَّةٌ مَرْجُوحَةٌ - لِمَا تَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ جَلْبِ مَنْفَعَةٍ رَاجِحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ أُخْرَى رَاجِحَةٍ - فَجَهْلٌ وَظُلْمٌ.

وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ " ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ " لَا يَتَوَرَّعُ عَنْهَا:

الْمَنَافِعُ الْمُكَافِئَةُ، وَالرَّاجِحَةُ، وَالْخَالِصَةُ: كَالْمُبَاحِ الْمَحْضِ، أَوْ الْمُسْتَحَبِّ، أَوْ الْوَاجِبِ فَإِنَّ الْوَرَعَ عَنْهَا ضَلَالَةٌ. ...

ص544: " حُسْنُ الْقَصْدِ " مِنْ أَعْوَنِ الْأَشْيَاءِ عَلَى نَيْلِ الْعِلْمِ وَدَرْكِهِ.

وَ " الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ " مِنْ أَعْوَنِ الْأَشْيَاءِ عَلَى حُسْنِ الْقَصْدِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ قَائِدٌ وَالْعَمَلَ سَائِقٌ، وَالنَّفْسَ حَرُونٌ، فَإِنْ وَنَى قَائِدُهَا لَمْ تَسْتَقِمْ لِسَائِقِهَا، وَإِنْ وَنَى سَائِقُهَا لَمْ تَسْتَقِمْ لِقَائِدِهَا فَإِذَا ضَعُفَ الْعِلْمُ حَارَ السَّالِكُ وَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ يَسْلُكُ فَغَايَتُهُ أَنْ يستطرح لِلْقَدَرِ، وَإِذَا تَرَكَ الْعَمَلَ حَارَ السَّالِكُ عَنْ الطَّرِيقِ فَسَلَكَ غَيْرَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ تَرَكَهُ، فَهَذَا حَائِرٌ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَسْلُكُ مَعَ كَثْرَةِ سَيْرِهِ، وَهَذَا حَائِرٌ عَنْ الطَّرِيقِ زَائِغٌ عَنْهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}. هَذَا جَاهِلٌ وَهَذَا ظَالِمٌ. قَالَ تَعَالَى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}. مَعَ أَنَّ الْجَهْلَ وَالظُّلْمَ مُتَقَارِبَانِ لَكِنَّ الْجَاهِلَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ ظَالِمٌ، وَالظَّالِمُ جَهِلَ الْحَقِيقَةَ الْمَانِعَةَ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ ...

ص546: فَالْكَمَالُ الْمُطْلَقُ لِلْإِنْسَانِ هُوَ تَكْمِيلُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ عِلْمًا وَقَصْدًا ... وَ " عِبَادَتُهُ " طَاعَةُ أَمْرِهِ، وَأَمْرُهُ لَنَا مَا بَلَّغَهُ الرَّسُولُ عَنْهُ؛ فَالْكَمَالُ فِي كَمَالِ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَمَنْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَتَرَكَ هَوَاهُ وَاسْتَسْلَمَ لِلْقَدَرِ، أَوْ اجْتَهَدَ فِي الطَّاعَةِ فَأَخْطَأَ، فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ إلَى مَا اعْتَقَدَهُ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ تَعَارَضَتْ عِنْدَهُ الْأَدِلَّةُ فَتَوَقَّفَ عَمَّا هُوَ طَاعَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهَؤُلَاءِ مُطِيعُونَ لِلَّهِ مُثَابُونَ عَلَى مَا أَحْسَنُوهُ مِنْ الْقَصْدِ لِلَّهِ وَاسْتَفْرَغُوهُ مِنْ وُسْعِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَا عَجَزُوا عَنْ عِلْمِهِ فَأَخْطَئُوهُ إلَى غَيْرِهِ فَمَغْفُورٌ لَهُمْ.

وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ فِتَنٍ تَقَعُ بَيْنَ الْأُمَّةِ فَإِنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ أُمُورًا هُمْ مُجْتَهِدُونَ فِيهَا وَقَدْ أَخْطَئُوا فَتَبْلُغُ أَقْوَامًا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا فِيهَا الذَّنْبَ، أَوْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ لَا يُعْذَرُونَ بِالْخَطَأ، ِ وَهُمْ أَيْضًا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ، فَيَكُونُ هَذَا مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا فِي فِعْلِهِ، وَهَذَا مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا فِي إنْكَارِهِ، وَالْكُلُّ مَغْفُورٌ لَهُمْ.

وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُذْنِبًا؛ كَمَا قَدْ يَكُونَانِ جَمِيعًا مُذْنِبِينَ.

تنبيه: ما بين المعكوفين من عندي؛ لأن المعنى لا يستقيم إلا بهذا أو نحوه حسب فهمي، والله أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير